لا شك فى أن «القبضة الفولاذية» التى يلجأ الجيش الإسرائيلى إلى استعمالها فى الآونة الأخيرة فى منطقة الحدود مع قطاع غزة، وكذلك فى هضبة الجولان، وضد إيران فى سورية، تسببت بإقصاء مصطلحات مثل «ضبط النفس» و«احتواء» وما إلى ذلك. فكل تهديد يُعالَج عسكريا، وكل استفزاز مهما يكن بسيطا يواجَه بعقوبة، وكل من يحاول اجتياز الحدود يهدّد حياته بالخطر، وهلم جرّا.
من ناحية عملية يمكن القول إن الجيش الإسرائيلى يطبّق فى الجبهتين الشمالية والجنوبية «استراتيجيا (عقيدة) الضاحية» التى سكّها رئيس هيئة الأركان العامة الحالى الجنرال غادى أيزنكوت فى إثر حرب لبنان الثانية (صيف 2006)، لكن بما يتلاءم مع كل حادث على حدة. وهذا بالتأكيد ما يرغب فيه ساسة إسرائيليون على غرار وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان (رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»)، ووزير التربية والتعليم نفتالى بينت (رئيس حزب «البيت اليهودى»).
يدرك أيزنكوت جوهر التغييرات التى طرأت على ساحة القتال، وتأثير وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى والتحولات فى العالم. كما أنه يعرف أنه فى أى جولة قتال مع حزب الله و«حماس» (أو مع كليهما) ستتعرض الجبهة الإسرائيلية الداخلية إلى كمية غير مسبوقة من الصواريخ، وأنه من أجل عدم إطالة أمد بقاء السكان الإسرائيليين فى الملاجئ سيتعين عليه أن يوجّه قوة كبيرة من نيرانه نحو مراكز إطلاق الصواريخ الموجودة فى قلب تجمعات السكان المدنيين.
وفى مثل هذه الحالة سيبدأ عمل الساعة الرملية. ويكون الصراع بين الشرعية التى سيحظى بها تفعيل القوة هذه فى العالم وثقة الجمهور الإسرائيلى العريض بالجيش من جهة، وبين قدرة العدو ورغبته فى الاستمرار فى إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جهة أُخرى. هذا هو بالضبط جزء مما حدث فى غزة أخيرا. وكان الهدف الحئول دون اندلاع حرب استنزاف وإيصال رسالة واضحة فحواها منع قيام أى فرد باجتياز السياج الحدودى.
لقد تم إحراز هذا الهدف بسرعة فائقة، لكن بثمن سقوط عشرات القتلى الفلسطينيين. ويدرك المسئولون فى قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وهيئة الأركان العامة أن أى قتيل فلسطينى يخدم دعاية «حماس»، لكن ليست لديهم سيطرة على الأمور.
بين حرب لبنان الثانية وعملية «الرصاص المسبوك» العسكرية فى قطاع غزة (2008 ــ 2009) غيّر الجيش الإسرائيلى قواعد القتال المعمول بها. وقُدمت إلى رئيس هيئة الأركان العامة السابق، الجنرال غابى أشكنازى، نتائج توصيات طاقم خاص ساهم فيه أيضا كل من اللواء احتياط عاموس يادلين، والبروفسور آسا كاشير (واضع المدونة الأخلاقية للجيش الإسرائيلي) وغيرهما. قبل هذه التوصيات كانت التعليمات للجيش تنص على الالتزام بضرورة حماية السكان المدنيين الإسرائيليين أولا وقبل أى شيء، ثم حماية السكان المدنيين فى جبهة العدو، وبعد ذلك حماية الجنود الإسرائيليين. غير أنه بعد عملية «الرصاص المسبوك» أصبحت التعليمات تنصّ على حماية السكان المدنيين الإسرائيليين أولا ثم حماية الجنود الإسرائيليين، وتراجعت مسألة حماية السكان المدنيين فى جبهة العدو إلى المرتبة الثالثة. وكان مثل هذا التغيير فى سلم أولويات الحماية التى يتعين على الجيش توفيرها ضروريا بسبب تغير طابع ساحة القتال، وجرّاء حقيقة أن كلا من «حماس» وحزب الله يستخدم السكان المدنيين كدرع بشرى.
آفى بنياهو
عميد احتياط والناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلى
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية