مر إعلان جوائز الدولة هذا العام فى مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية دون أزمات كبيرة كتلك التى كانت تصاحبها فى السنوات السابقة وهذا لا يعنى أن الجوائز بلغت لا سمح الله حد الكمال فلا تزال محاطة بالكثير من الشكوك حول مدى استحقاق بعض الفائزين وحول كفاءة ونزاهة اعضاء لجان التحكيم والقواعد المتبعة فى اجراءات الترشيح وهذه الشكوك مزمنة تعكس دائما حالات الاستقطاب فى مجتمعنا.
وباستثناء جائزة المبدعين العرب التى تم استحداثها هذا العام وذهبت لفنان كبير هو السورى يوسف عبدلكى ومعها جوائز الدولة التشجيعية التى شرفت بأسماء لافتة تثير بقية الجوائز تساؤلات كثيرة.
وقد قلت لصديق هاتفنى يوم اعلانها أن الامور تمضى إلى الأسوأ لدرجة أننى على استعداد لإعادة نشر تقرير صحفى حولها نشرته قبل 15 عاما ولن يجد القارئ فيما كتبت من الملاحظات فارقا كبيرا بين ما كتبته وبين ما يجرى اليوم و«كأنك يا أبوزيد ما غزيت».
لكن أكثر ما لفت نظرى هذا العام أن الجوائز رغم التعديلات التى جرت فى قواعد التصويت لا تزال بعيدة عن أسماء كبيرة لها انجازات كبيرة فى مجالها.
ولا يمكن لمنصف إلا أن يتساءل كيف لجائزة النيل أن تغفل عن انجازات ناقد ومفكر كبير مثل ابراهيم فتحى أطال الله عمره أو مساهمات محلل سياسى وكاتب بارز مثل الاستاذ جميل مطر وكيف لجوائز الادب التقديرية مثلا ان تقفز فوق اسماء مثل محمد المخزنجى أو محمد المنسى قنديل ومحمود الوردانى وسلوى بكر أو تتجاهل شعراء مثل محمد سليمان وعبدالمنعم رمضان واحمد طه وغيرهم من الاسماء المميزة لا لشىء سوى ان هؤلاء جميعا لا يجدون جهة يحق لها الترشيح لجوائز الدولة تدفع بأسمائهم فى حين ان الجامعات التى تحظى بنصيب الأسد فى الترشيحات لا تزال مصرة على مكافأة بعض أساتذتها دون ان تمد بصرها خارج اسوار الجامعة وتخلط بقصد أو غير قصد بين ضرورة مكافأة الاستاذ الجامعى المتميز عن رحلة عمله وبين جائزة الدولة التى يفترض أن تتوج أصحاب الجهد الابداعى الخلاق، فليس كل أساتذة الفلسفة مثل مراد وهبة وفؤاد زكريا وزكى نجيب محمود وعبدالرحمن بدوى وليس كل اساتذة علم النفس فى قامة يوسف مراد أو مصطفى سويف وقدرى حفنى ولا كل المؤرخين مثل يونان لبيب رزق ورءوف عباس ومحمد أنيس لأن هؤلاء جميعا كانوا مثقفين فاعلين أكثر من كونهم خبراء أكاديميين.
والأسف الأكبر فى موضوع جوائز الدولة ان بعض الجمعيات الاهلية والكيانات النقابية التى نالت حق الترشيح عبر السنوات الماضية تعيد بدورها انتاج نفس حماقات الجهات الرسمية وتربط ترشيحاتها بأعضاء مجالس اداراتها من ذوى النفوذ أكثر من حرصها على تقديم قامات كبيرة كما كانت الامور تجرى فى الماضى ويمكن مثلا النظر فى ترشيحات اتحاد الكتاب فى الماضى وفى العاميين الاخيرين لتدرك ما اقول وهذه واحدة من الكوارث التى تحتاج إلى نظر.
ولا نزال نذكر بالخير كيف أن اكاديمية الفنون خلال عهد الدكتور فوزى فهمى كانت تدفع بترشيحات لأسماء كبيرة فى الثقافة العربية لتحفظ ماء وجه وزارة الثقافة فالأكاديمية هى من رشحت فى الماضى أسماء بحجم أنور عبدالملك ولطيفة الزيات وغالى شكرى ومحمود امين العالم لكنها اليوم لا تملك نفس الشعور بقوة مكانتها الرمزية مثل قطاعات كبيرة جعلت من خبر الجوائز ضجيجا بلا طحن وهى مسألة مثيرة للحزن حقا.