نشر موقع «درج» مقالا للكاتب «وليد خدورى» يتناول فيه قضية الاعتداء على ناقلات النفط السعودية وعما إذا كان سيتسبب ذلك فى ارتفاع أسعار النفط.. ونعرض منه ما يلى..
عادة، نتوقع ارتفاع أسعار النفط عند اشتداد الأزمات السياسية، لا سيما فى حال نشوب معارك عسكرية فى منطقة الخليج. وبالتالى فإن الاعتداءات على أربع ناقلات فى بحر العرب، أثارت تكهنات بأن أسعار النفط سترتفع، إلا أن أسعار النفط الخام تراجعت فى يونيو عن مايو، على رغم التهديدات العسكرية التى واجهتها الناقلات والمنشآت النفطية فى شبه الجزيرة العربية.
كما أن الأوضاع السياسية المرتبكة فى معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفى بعض أقطار أوبك الأعضاء مثل فنزويلا وإيران، تفاقم المخاطر على أمن الإمدادات النفطية من الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، أدى اشتداد الحرب الأهلية فى ليبيا إلى انخفاض الإنتاج إلى أقل من مليون برميل يوميا، وتذكر فى هذا السياق تأثيرات الحصار الأميركى على الصناعات النفطية فى كل من إيران وفنزويلا، وهما عضوان مؤسسان لمنظمة أوبك.
لكن، على رغم المخاطر على أمن الصادرات النفطية من دول الخليج، فى ظل الاشتباكات المحدودة حتى الآن، وعلى رغم تزايد الحصار الأميركى على بعض الدول المصدرة، نجد أن أسعار النفط الخام، انخفضت، من نحو 70 دولارا للبرميل فى منتصف أبريل، إلى نحو 60 دولارا للبرميل فى منتصف يونيه. ويشكل ذلك نهجا يختلف تماما عن تطور الأسعار فى التجارب السابقة، أثناء اشتداد الصراعات العسكرية والأزمات السياسية.
تثير هذه الظاهرة أسئلة عدة حول مسيرة أسعار النفط. وبالفعل، تنعكس عوامل عدة على الأسعار وتؤثر فيها. فمن ناحية، نجد أنه على رغم الحصار الأمريكى على نفط إيران وفنزويلا وانخفاض إنتاج الدولتين وصادراتهما فى هذه الفترة الحرجة، تم تعويض هذا النقص فى الإمدادات بالزيادة المهمة فى الإنتاج النفطى الأمريكى، لا سيما النفط الصخرى. فقد ارتفع إنتاج النفط الأمريكى فى السنوات الماضية، ليفوق مستواه إنتاج روسيا أو السعودية. وبالفعل، ارتفع الإنتاج الأمريكى من نحو 9 ملايين برميل يوميا عام 2016، ليصل إلى نحو 12 مليون برميل يوميا فى منتصف يونيه 2019. وقال رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول أن «توقعات وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن إنتاج الولايات المتحدة سيستمر فى الازدياد، وأن الولايات المتحدة ستصبح خلال خمس سنوات أكبر دولة مصدرة للنفط فى العالم».
وإضافة إلى دور الإنتاج النفطى الأمريكى المتزايد، نجد أن المخزون التجارى النفطى فى ارتفاع مستمر، الأمر الذى يضع سقفا على أسعار النفط. فكلما ازداد هذا المخزون، اطمأنت الأسواق إلى توفر نفط كاف، ولا حاجة للتخوف من شح الإمدادات. وارتفع المخزون منذ بداية عام 2019. فقد ضغط الرئيس دونالد ترمب، عند إعلانه الحصار على إيران، على الدول المصدرة لزيادة الإنتاج فى حينه، للتأكد من عدم زيادة الأسعار عند بدء الحصار على إيران. كما أن دولا كثيرة رفعت إنتاجها، لكنها فوجئت ليلة إعلان بدء الحصار، بإعفاء الدول المستوردة النفط الإيرانى، من التزام الحصار. وارتفع المخزون إثر ذلك، وأخذ يضغط بدوره على الأسعار. المخزون فى الولايات المتحدة، مثلا، ارتفع من نحو 470 مليون برميل فى إبريل إلى 485 مليون برميل فى منتصف يونيه.
برزت عوامل ضاغطة على الطلب فى الوقت ذاته. فالحرب التجارية التى تشنها الولايات المتحدة على الصين، أدت إلى انخفاض الطلب على النفط. وأدى التغير الكبير فى السياسة الاقتصادية الصينية، عبر إعطاء الأولوية للاقتصاد والاستهلاك الداخلى بدلا من الصادرات، إلى تقليص الطلب فى الصين نفسها (أكبر دولة مستهلكة للطاقة فى العالم).
هناك اختلاف مهم بين الصراع الأمريكى ــ الإيرانى اليوم، وبين واشنطن وبغداد عام 2003. ففى الحرب على العراق، كان الهدف الأمريكى واضحا، وهو إزالة حكم البعث فى العراق والرئيس صدام حسين. فى الحالة الإيرانية، كررت واشنطن موقفها الرسمى مرات عدة، وهى أن لا نية لديها لإنهاء النظام الحالى. وربما الأهم من ذلك، هو أن ليس باستطاعة الولايات المتحدة إسقاط النظام فى طهران.
هل سيستمر تراوح الأسعار ما بين 60 و70 دولارا للبرميل، كما هو الأمر منذ بداية الحصار الأمريكى والاعتداءات على الناقلات والمنشآت النفطية؟ يمكن القول من الناحية الاقتصادية، إنه بما أن هناك فائضا فى المخزون التجارى النفطى العالمى، فى ظل طاقة إنتاجية ضخمة لدى الدول المصدرة، سيكون بالإمكان المحافظة على معدل الاسعار الحالى.
لكن فى حال تصاعد المواجهة العسكرية الأميركية ــ الإيرانية (أو نشوب الحرب لحسابات دقيقة أو خاطئة)، فى منطقة الخليج العربى وارتفاع خطورة تأمين الصادرات النفطية من دول الخليج، فسترتفع الأسعار إلى مستويات عالية. والسبب واضح، فعلى رغم توسع صناعة النفط العالمية بحيث يبلغ معدل الإنتاج النفطى العالمى الآن نحو 100 مليون برميل يوميا، فإن معدل الصادرات النفطية من دول الخليج يبلغ نحو 20 ــ 25 مليون برميل يوميا. ولا طاقة إنتاجية فائضة حاليا من خارج منطقة الخليج تستطيع أن تعوض هذه الإمدادات النفطية. ومن ثم فإن انقطاع كميات كبيرة من نفط الخليج، وازدياد مخاطر التصدير، ما يعنى تأخر الصادرات أو عرقلتها، سيؤديان إلى ارتفاع الأسعار وانكماش الاقتصاد العالمى وازدياد البطالة.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2FiOrzm