الأطفال فى البيت الأبيض.. أبوة دونالد ترامب السامة - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 30 مارس 2025 2:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الأطفال فى البيت الأبيض.. أبوة دونالد ترامب السامة

نشر فى : الأربعاء 26 مارس 2025 - 7:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 مارس 2025 - 7:00 م

ظهر الرئيس الأمريكى وهو يوقع الأمر التنفيذى بإلغاء وزارة التعليم الأمريكية محاطًا بالأطفال. فى ضوء ذلك، نشر موقع درج مقالًا للكاتب حسام فران، تحدث فيه عن تعمد ظهور القادة السياسيين بجوار الأطفال لتحسين صورتهم الديكتاتورية، وتقديم أنفسهم كرؤساء حنونين وجيدين فى نظر شعوبهم (دونالد ترامب، صدام حسين، جوزيف ستالين، أدولف هتلر، كأمثلة).. نعرض من المقال ما يلى:
اختار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن يوقع الأمر التنفيذى بإلغاء وزارة التعليم الأمريكية وهو يجلس محاطًا بأطفال صغار على مقاعد الدراسة، فى إحدى قاعات البيت الأبيض. وإذ كان الأمر التنفيذى الجديد للرئيس يزيد من تأكيد المؤكد حول مشروعه بضرب الكثير من القيم الديمقراطية والليبرالية فى الولايات المتحدة، إلا أن فى المشهد ما يستأهل التوقف عنده أكثر من القرار التنفيذى نفسه. فترامب عاد إلى تقليد سياسى شائع، يقوم على استغلال الأطفال كأدوات رمزية لتحسين الصورة العامة للقادة السياسيين، وتصويرهم فى مظهر إنسانى، يربطهم من حيث يأملون، فى عقل من يشاهدهم بالبراءة.
لم يكن استخدام ترامب الأطفال فى الصور السياسية جديدًا. فخلال رئاسته، استضاف إيلون ماسك فى البيت الأبيض، حيث ظهر ابنه الصغير «إكس»، وكان يحمله ماسك على أكتافه، أثناء مؤتمر صحفى، ثم راح يلعب بجوار مكتب الرئيس، ثم ظهر الطفل «إكس» مرة أخرى، وهو يلهو مع الرئيس فيما هما يتوجهان إلى المروحية الرئاسية فى باحة البيت الأبيض.
ماسك نفسه اعتاد الظهور العلنى مع أطفاله، فى تكتيك سياسى حديث نسبيًا، وغير محتكر على ترامب أو ماسك. إذ عبر التاريخ، استخدم كثر من القادة الأطفال لتعزيز صورتهم الإنسانية. فقد دأب كل من صدام حسين، جوزيف ستالين، وأدولف هتلر على الظهور مع الأطفال فى الدعاية السياسية لتقديم أنفسهم كقادة حنونين وأبويين. الرسالة واضحة: القائد الذى يظهر مع الأطفال يبدو حاميا لهم، عطوفًا، و«جيدًا» فى نظر الجمهور، حتى ولو كان ديكتاتورًا يرتكب المجازر. وهذا التناقض الذى يعتمده قادة مثل هؤلاء، مقصود كما يحاجج حازم صاغية فى كتاب «الرجولة المتخيلة-الهوية الذكورية والثقافة فى الشرق الأوسط الحديث». فـ«مثلما حمل ستالين ابنته الصغرى سفتلانا، وكانت لهتلر صور عدة مع الأطفال، بينها واحدة غدت شهيرة مع طفلة قدمت له باقة زهر، صوّر صدام حاملًا ابنته وعلى خصره مسدسه». ويضيف صاغية إن صدام: «افتتح غزو الكويت ولقاءه بالرهائن الغربيين المذعورين فى بغداد بمداعبة طفل جعلتها «سى إن إن» مشهدًا كونيًا».
يركز صاغية فى حديثه عن هذا الجانب المفتعل فى شخصية صدام، شارحًا أن الطفلة أو الطفل فى هذا المجال، دليل لا يخطئ على الحاجة القصوى إلى الحماية والقوة يمارسهما أب كلّى القدرة. ويرى صاغية أن صدام ومن مثله، واعون لفكرة أن التواضع، بل حتى الانكسار، أمام طفل يضيف إلى رجولة الرجل من دون أن ينقصها، فهو لا يتواضع، أو ينكسر حيال رجل آخر، ندّ له وقوى بالتالى، بل يستخدم هذه القيمة الحديثة لتعزيز قيمة أخرى مستقاة من صلب مفهوم الرجولة والأبوة».
• • •
من الظالم تشبيه ترامب بصدام حسين، خصوصًا مع وجوده فى بلاد لم تنحدر بعد إلى درك الديكتاتورية، مع محاولات متكررة من ترامب لإرسال إشارات مقلقة عن نيّات مبيتة (وأخرى صريحة) له بالاستفراد بالحكم وبضرب سلطة الكونجرس وسلطات المحاكم الفيدرالية. كما يشكل برنامجه اليمينى المتطرف، وخطابه المشبع بالعنصرية والعداء للمرأة ومجتمع الميم عين، والمهاجرين/المهاجرات، بالإضافة إلى تصرفاته العنفية بعدم تقبّل الخسارة فى الانتخابات مع أنصاره حينما هزم فى انتخابات العام 2020 أمام بايدن، جرس إنذار مبكرًا ومخاوف مشروعة من احتمالات تعزيز الديكتاتورية.
لكن فى السياسة الأمريكية، وربما فى السياسة عمومًا، تبدو الاستعارة التى استخدمها الفيلسوف الأمريكى جورج لاكوف حول «الأمة العائلة»، هى الأكثر وضوحًا فى حالة ترامب، الذى يعمل بالمبدأ القائل إن الحكومة تتولى دور الوالدين، فيما يُنظر إلى المواطنين/المواطنات على أنهم أطفال يعتمدون على حماية الدولة الرعائية. ومع أن القيم الأمريكية التقليدية ترفع من شأن العائلة، وتتطلب من الساسة أن يكونوا فى صورهم مجموعين مع عائلاتهم كتطمين مفترض على قدرتهم على جمع العائلة الأوسع (الأمة)، يجهد ترامب لفعل ذلك، بسبب ارتباطه فى الأذهان بصور وقضايا وتصريحات لا تمتّ إلى مفهوم العائلة الذى تسوق له القيم الأمريكية بصلة. ومع ذلك، فإن ترامب يحافظ على تقليد سياسى عتيق، باعتبار أن العلاقة بين المواطن/المواطنة والسلطة تحاكى هيكل الأسرة. وهذه فكرة طرحها أفلاطون بقوله إن «المواطن يقف أمام الدولة كما يقف الطفل أمام والديه». وليس هذا الأمر بغريب عن الثقافة السياسية الأمريكية المليئة باستعارات مماثلة: «الآباء المؤسسون، العم سام، الأخ الأكبر»، وكلها تستند إلى هذا الارتباط الذى يراد له أن يكون قائمًا على فكرة «الأبوة» فى رسم مفهوم السلطة.
وربما تكون إحدى أشهر اللحظات التى استخدم فيها طفل فى السياسة الأمريكية، ولم تدخل فى سياق استعراض القوة، بل ارتبطت فى أذهان الشعب الأمريكى بـ«اليتم»، هى التى حصلت خلال جنازة الرئيس جون كينيدى، حيث قام ابنه البالغ ثلاث سنوات، جون كينيدى جونيور، بتحية نعش والده فى مشهد أصبح من أكثر الصور شهرة فى التاريخ الأمريكى. على عكس الصور المدروسة التى يستخدمها الساسة للترويج لأنفسهم، كان هذا المشهد العفوى مليئًا بالحزن الحقيقى، ما جعل الشعب الأمريكى يتعاطفون مع العائلة، وهو ما عزز صورة كينيدى ليس فقط كقائد، بل كأب فقدته عائلته فى وقت مبكر.
• • •
بالمقارنة مع هذه الصورة الأيقونية لابن كينيدى، والتى يتوافق معظم الشعب الأمريكى على أنها طبيعية وعفوية، تبدو صور ترامب وفيديواته مع ابن ماسك، أو مع تلاميذ المدارس، مثيرة للجدل بين الأمة الأمريكية، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تخيل كلمات وُضعت على لسان الطفل الصغير، وشاعت على أن الطفل قالها للرئيس وفيها إهانات له. ومع أن مراجعات كثيرة لمقاطع الفيديو لم تحسم حقيقة ما قاله الطفل للرئيس فى المؤتمر الصحفى مع والده، إلا أن كثيرين ثبتوا على رأيهم بأن «إكس» كان يتفوه بكلام مهين للرئيس أثناء المؤتمر الصحفى الذى عقده ترامب مع ماسك بوجود الطفل الذى افترسته الكاميرات، ثم لاكت الألسن والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعى اسمه وصورته، وتعرّض الطفل «إكس» من حيث لا يدرى إلى آلاف التعليقات المتنمّرة عليه.
هذا يطرح تساؤلات أخلاقية، عما إذا كان ابن ماسك يشارك بإرادته فيما يراد له أن يشارك فيه من نشاطات والده أو الرئيس. وعما إذا كان هو والأطفال الآخرون الذين أحضرهم ترامب ليكونوا ديكورًا لتوقيع قراره التنفيذى بإلغاء وزارة التعليم، مدركين معنى تعريضهم للأضواء فى عالم السياسة بهذه السنّ المبكرة، أم أنهم ضحية أهاليهم الذين سلمّوهم تسليم اليد لوحش الكاميرات ومسخ التنمّر، عبر استخدامهم كمجرد أدوات عاطفية، ضمن استراتيجية دعائية وتسويقية مدروسة؟ فى سؤال الأخلاق، يندر أن ينجح دونالد ترامب.

النص الأصلى:

التعليقات