بعد ثلاثين سنة على اتفاقات أوسلو يبدو المشهد فى الأراضى الفلسطينية مختلفا عما كان عليه عام ١٩٩٣، بل صار أكثر سوءا وصعوبة. فقد اختفى الرجلان اللذان وقعا الاتفاق فى حديقة البيت الأبيض، فقد قتل إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلى فى تظاهرة عن السلام فى قلب تل أبيب، ورحل ياسر عرفات بعد حصاره لنحو خمسة وثلاثين شهرا فى مقره فى «رام الله»، فى تأكيد واضح على انتهاء عملية السلام، التى أدت إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، والسماح له بدخول الأراضى الفلسطينية.
هناك قوتان أساسيتان تلاقتا على وأد عملية السلام، رغم ما يبدو بينهما من تناقض: الأولى اليمين الإسرائيلى الذى هيمن على المشهد السياسى فى العشرين سنة الماضية، وبلغ ذروته فى الحكومة الراهنة برئاسة بنيامين نتنياهو، والثانية قوى الممانعة من فصائل فلسطينية تحمل سلاح المقاومة، ومن خلفها اطراف اقليمية منها ايران، والملاحظ ان كلا القوتين فى حالة صراع، لكن وجودهما يمثل حالة تغذية متبادلة فى مواجهة مشروع السلام. أكثر من ذلك، ان نتنياهو من واقع سياساته حريص على إضعاف السلطة الفلسطينية، وخلق التناقض بينها وبين حركة حماس والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، والتى امتدت سيطرتها إلى المدن الفلسطينية فى جنين ونابلس.
وقد كان للطرف الراعى، وهى الولايات المتحدة، دور مهم فى إجهاض السلام، من رئيس مؤيد هو بيل كلينتون، لم يستفد من رئاسته لاحراز خطوات متقدمة على طريق السلام، وجاء بوش الابن مسكونا بمواجهة الارهاب، وارتبك وضع الفلسطينيين فى سياساته، وروج أوباما لحل الدولتين دون خطوات ملموسة، وهو نفس النهج الذى ينتهجه جو بايدن، خاصة بعد ان قوض دونالد ترامب عمليا أى فرص للسلام، وسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ولم تفلح الاتفاقات الابراهيمية فى إحداث أى تقدم للسلام، بل على العكس اعتبرتها إسرائيل فرصة للفصل بين السلام والقضية الفلسطينية، بعد عقود من تلازمها بما فى ذلك مبادرة السلام العربية. ويظل هناك حديث، ولقاءات حول تحريك للقضية الفلسطينية فى إطار خطة التطبيع بين إسرائيل والسعودية التى تروج منذ نحو شهرين بكثافة فى الاعلام الغربى، وتصر الرياض على احراز تقدم فى الملف الفلسطينى، ولكن غير واضح إمكانية تحقيق ذلك ولاسيما فى ظل حكومة يمينية متشددة فى إسرائيل، تشير تحليلات وأخبار كثيرة إلى انها لن تقدم شيئا ملموسا للجانب الفلسطينى، حتى وان كان الثمن هو التطبيع مع السعودية، بوابة العبور إلى العالم الإسلامى.