يوم الثلاثاء السابع عشر من أكتوبر 2017.. نشرت صحيفة «المصرى اليوم» مقالا جميلا للدكتور عبدالمنعم سعيد، طرح فيه تساؤلا مهما وهو: لماذا لا نفوز بكأس العالم؟
أشار الدكتور عبدالمنعم سعيد وهو مفكر ومحلل سياسى، يعتمد المنطق أسلوبا فى صياغة أفكاره، أشار إلى شخصى وإلى حوار دار بينه وبينى فى أثناء وجودنا بشرم الشيخ لحضور مؤتمر الشباب العام الماضى، فقد سألنى هل نصل إلى كأس العالم؟ وأجبت: السؤال الأهم ماذا نفعل هناك لو وصلنا؟
وكان ذلك رأيى فيما يتعلق بالمشاركة فى هذا الحدث العالمى، ومازلت أرى أن علينا التفكير فيما نفعله فى روسيا. لأنه ليس كافيا أن نصل حتى لو كانت دول العالم تحتفل كلها بمجرد الوصول، وذلك إدراكا بأن كرة القدم ليست لهوا ولا لعبا فقط ولكن انتصاراتها تعكس صورة حضارية متكاملة عن الشعوب والبلاد، وأنها ظاهرة رياضية واجتماعية وسياسية. وأذكر أن رجال السياسة فى الولايات المتحدة قالوا فى التسعينيات من القرن الماضى أنه اذا أرادت الإدارة الأمريكية التعرف على التيارات فى بعض الدول مثل السودان وايران وليبيا فإن عليها متابعة كرة القدم فى هذه الدول. وفسرت أيامها وزارة الخارجية الأمريكية أحداث شغب وقعت فى الدورى الليبى لكرة القدم فى يوليو عام 1996 على أنها من مظاهر الاستياء العام من الحكومة الليبية.
وقد ضرب الدكتور عبدالمنعم مثالا مهما عن القدرة المصرية، قدرة الإنسان وقدرة الدولة. وهو الإنتصار العبقرى الذى حققه الجيش المصرى فى حرب 73.. وكان سببه الواقعية فى التخطيط والأهداف استنادا على عوامل كثيرة جدا، كما شرح، وعلى فترات تدريب يومية طالت إلى 6 سنوات، وكيف أن أسلحتنا الدفاعية باتت هجومية مثل صواريخ الدفاع الجوى، ومثل الصواريخ المضادة للدبابات، بجانب الرهان على قدرة المقاتل المصرى، وهى قدرة فائقة بما حملته القلوب من عقيدة وطنية راسخة فى تاريخ الجيش وبرغبة من المقاتل فى الثأر واسترداد الأرض والكرامة والكبرياء الوطنى.
والحرب عملية معقدة للغاية وتفاصيلها متشابكة وكثيرة جدا وتحكمها قواعد لعبة الحرب من تسليح وكم النيران المتاح والممكن، وأرض معركة وتضاريسها، ومجتمع دولى يمارس أدواره بما يخدم مصالحه.. وإلا انتهت حروب فى بدايتها بقنبلة نووية.. والحرب ليست مباراة فى كرة القدم بما فى المباريات من مهارات فردية وجماعية وتوفيق وحظ، وحكم يجيد وحكم يخطئ وفى المباريات المتكافئة لا يوجد طرف يملك سلاحا مشابها للسلاح النووى يمكن أن ينهى المباراة فى بدايتها..
وإذا كانت القضية تتعلق بالإرادة وبالإمكانات وتقدير تلك الإمكانات واستغلالها أحسن استغلال، فإن مصر تخوض اليوم حربا معقدة ولها تفاصيلها الكثيرة أيضا، وهى حرب بناء الدولة الحديثة، وحين ينجز المصريون قناة السويس فى عام، فهذا دليل أن الحلم ممكن حين نمتلك الإرادة والأسباب. وحين نبنى ثلاث محطات كهرباء عملاقة وغيرها ونبنى العاصمة الإدارية بما فيها من تكنولوجيا وقياسات تساوى أحلام، وننشئ 12 مدينة أخرى، ونزرع مليون فدان ونصف المليون فدان، وننشئ مزارع سمكية عملاقة، و100 ألف صوبة، و600 ألف وحدة سكنية. وغير ذلك من مشروعات وننجزه فى عامين أو ثلاثة، فإن ذلك لدليل على أن الحلم ممكن بالإرادة. لكن الفوز بكأس العالم لا يكفيه أن تريد وأن تحلم. فهزيمة الحجر والصحراء والزمن ليس كهزيمة البرازيل وألمانيا..!
على مدى تاريخ كأس العالم وفى 20 بطولة فازت 8 دول فقط باللقب، وكلها من الدول الكبرى فى اللعبة. والأمر نفسه فى كأس الأمم الأوروبية، إذا احتكرت الدول الكبرى الألقاب باستثناء مرات قليلة فازت فيها الدنمارك ببطولة 92 واليونان ببطولة 2004 والبرتغال ببطولة 2016، والبطولات الكبرى تحتكرها غالبا الفرق الكبرى. هذا يحدث فى كأس إفريقيا وكأس آسيا وكأس كوبا أمريكا وأمم أوروبا.
وبالقطع ليس هدف الدكتور عبدالمنعم سعيد فى سؤاله المطروح: لماذا لا نفوز بكأس العالم؟ أن يسافر المنتخب إلى روسيا كى يعود بكأس العالم متغلبا على البرازيل وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وإنجلترا.. فربما المقصود أن يذهب إلى روسيا ويلعب ويحقق أحسن النتائج ويتقدم خطوة وخطوات إلى المراحل التالية بعروض وأداء مميز.
وتظل أهم خطوة فى مشاركة المنتخب فى كأس العالم أن تكون هناك استراتيجية واضحة وهدف واقعى، ومن هنا أوضح أن الهدف الواقعى هو ما أعلنه كوبر: «لتأهل إلى دور الستة عشر».. ويمكن أن يتطور الهدف ويكون التأهل إلى دور الثمانية. علما بأن الكاميرون مثلا تأهلت لدور الثمانية عام 1990. وكانت تستحق الفوز على إنجلترا لتصعد إلى الدور قبل النهائى.
حتى نحقق الأهداف الواقعية لابد من التدريب والإعداد، والجدية، ووجود المواهب والمهارات فى الفريق. والأخذ بأساليب العلم فى الإستشفاء والتغذية والأحمال.. ومن المهم أيضا أن نعرف قدراتنا وكيف نوظف تلك القدرات للحصول على الأفضل منها.. وهو ما يترجمه فوز مصر بكأس الأمم الإفريقية ثلاث مرات، وبمنتخب من اللاعبين المحليين فى مواجهة منتخبات القارة المسلحة بكل المحترفين الذين يلعبون فى أقوى وأشهر الأندية الأوروبية.
كان المنتخب فى ذلك الوقت يضم مهارات خاصة. لكنه تسلح بالذكاء فى مواجهة القوة. وتسلح بالثقة فى مواجهة الأسماء والنجوم الإفريقية اللامعة. وتسلح بالإرادة والمشاعر الوطنية فى مواجهة منتخبات محترفة فى أوروبا وباتت هاوية وهى تلعب تحت علم بلادها.. لكن فى الوقت نفسه دعونا لا ننسى مافعله منتخب مصر فى كأس القارات عام 2009.. حين لعب المنتخب مباراة العمر مع البرازيل وخسرها 3/4 ولم يكن يستحق أن يخسرها. كما فاز على إيطاليا حاملة لقب كأس العالم 2006 بهدف للاشىء.. وكان أهم أسلحة منتخب مصر فى كأس القارات وفى هاتين المباراتين تحديدا هو الثقة التى منحت لاعبينا الجرأة والشجاعة.
علينا أن نتذكر دائما أن المنتخبات الكبرى تربت على مدى تاريخها أنها كبرى. وحين تتعرض لهجوم شجاع مصبوغا بالمهارات والإبداع فإنها قد تصاب بما اصاب البرازيل وإيطاليا أمام منتخب مصر فى كأس القارات.. لكن حذار لأن الشجاعة غير المحسوبة تكون تهورا. والشجاعة غير المحسوبة ظنا بأن قدراتك أعلى من قدرات منافسك، تعنى سوء تقدير موقف، وعدم إدراك لأمكانياتك..
كان الجوهرى رحمه الله واقعيا حين لعب فى إيطاليا عام 1990 لكنه شاهد فريقه يحقق حلما بأداء مبدع وبنتيجة التعادل مع هولندا، فتراجع للدفاع أمام أيرلندا وإنجلترا. وخسر تعادله مع هولندا. ولعب كوبر مبارياته فى التصفيات بواقعية. وتأهلنا بها وبمهارة وأعصاب محمد صلاح وشجاعة ونضال الفريق كله.. وفى روسيا علينا اللعب بواقعية ممزوجة بقليل من الحلم والإبداع والشجاعة.. لكى نمضى خطوات أفضل فى هذا الحدث العالمى..
فهل نستطيع؟ نعم نستطيع..