بإعلانه قرار ترشحه لفترة رئاسية جديدة، تحول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى المرشح المحتمل عبدالفتاح السيسى أحد أطراف المعركة الرئاسية المقرر إجراؤها فى مارس المقبل.
الرجل الذى طالب المصريين قبل ساعات بالسماح له بخوض الانتخابات الرئاسية، من المفترض أنه بدأ الآن الاجتماعات بفريقه القانونى وحملته الانتخابية لمراجعة أوراق الترشح، من شهادات وإقرارات ذمة مالية واستمارات تأييد مواطنين ونواب، ليتوجه بعدها إلى مقر الهيئة الوطنية للانتخابات فى موعد أقصاه 9 أيام من الآن تمهيدا لاعتماده رسميا مرشحا رئاسيا تطبق عليه مواد الدستور والقوانين ذات الصلة.
لم ُيعلن حتى كتابة هذه السطور عن مقر الحملة الانتخابية للمرشح عبدالفتاح السيسى، ولا من هم أعضاؤها، ولا كيف سيتم تمويلها، وهل سيقدم المرشح المحتمل إلى الجمعية العمومية للشعب المصرى برنامجا انتخابيا مفصلا بجدول زمنى محدد أم سيعيد انتاج مشهد الانتخابات السابقة فيظل السيسى هو البرنامج والمشروع والرؤية؟!
الأيام القادمة ستجيب على تلك التساؤلات، لكن السؤال الأهم الذى فرض نفسه، كيف ستتعامل مؤسسات الدولة وأجهزتها وإعلامها مع المرشح المحتمل عبدالفتاح السيسى، هل ستقف تلك المؤسسات على مسافة واحدة من كل المرشحين، كما طالبها المرشح المحتمل سامى عنان فى إعلان ترشحه للرئاسة؟، وكيف ستلتزم تلك المؤسسات بالحياد والمرشح المحتمل هو الرئيس الذى يصدر القرارات، ويفتتح مشروعات بصحبة وزراء ومحافظين وهو ما يمكن اعتباره جزءا من حملة الدعاية الانتخابية للمرشح الرئيس. وكيف سيتم التمييز بين نشاط السيسى الرئاسى الذى يستخدم فيه إمكانية الدولة وأموالها ونشاطه الانتخابى الذى لا يجب أن تستخدم فيه موارد الدولة ولا أموالها؟ وهل تضع الهيئة الوطنية للانتخابات هذه المعضلة فى حساباتها لتتدخل فى الوقت المناسب إذا ما رأت أن المرشح عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية يستخدم موارد الدولة فى أنشطة انتخابية؟
ففى الهند أكبر ديمقراطية فى العالم تتولى مفوضية الانتخابات مراقبة تصرفات الحكومة بمجرد الدعوة إلى إجراء الانتخابات وتراجع قراراتها فتلغى أى قرارات أو تحركات يمكن أن تنطوى على ترويج انتخابى للحكومة وأحزابها.
فى معظم دول العالم الديمقراطية التى تحترم التعددية ومبدأ الفصل بين السلطات ألزمت الأعراف الرؤساء بالتوقف عن اتخاذ قرارات ذات تأثير طويل المدى لأنها قد تتعارض مع سياسات من يخلفهم بمجرد دوران عجلة الاستحقاق الانتخابى، وفى ذات الدول تفرق المؤسسات بين الرئيس الذى حدد الدستور صلاحياته وبين ذات الرئيس عندما يكون مرشحا رئاسيا، فيتم التعامل معه كما يتم التعامل مع باقى المرشحين فى المعترك الانتخابى.
تاريخ الاستحقاقات الرئاسية فى مصر أسود، فالرئيس فى بلدنا يظل هو الرئيس لا يغادر منصبه إلا بالموت أو الخلع، لكن بما أننا ولو من الناحية النظرية نتحدث عن انتخابات تعددية تنافسية، ومن باب المواءمة السياسية وتطبيقا للأعراف التى تمارسها دول العالم فيجب على المرشح عبدالفتاح السيسى ومؤسسات الدولة ومسئوليها مراعاة الاعراف الانتخابية المتبعة فى الأنظمة الديمقراطية.
المرشح عبدالفتاح السيسى أعلن على الهواء مباشرة إنه سيتدخل لمنع مرشحين محتملين من الوصول إلى كرسى الرئاسة بدعوى تورطهم فى الفساد، «لأمانة المسئولية اللى هيقرب من الفاسدين من الكرسى ده يحذر منى، أنا مش هبقى حكر عليكم، لكن فيه ناس لن أسمح لهم بالاقتراب من الكرسى ده.. أنا عارف إنه كان حرامى وفاسد وأسيبه ربنا يحاسبنى».
ما قاله السيسى يمكن تفسيره بأن الرئيس بحكم موقعه يستطيع أن يتدخل ويمنع مواطنين من ممارسة حقهم الدستورى بالترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما وصفه مراقبون بأنه تعدٍ على اختصاصات مؤسسات الدولة المعنية من قضاء ونيابة وهيئة وطنية للانتخابات وجهات رقابية كفل لها الدستور الاستقلال عن السلطة التنفيذية التى يمثلها السيسى، ليفتح الباب أمام التشكيك فى استقلالية تلك الجهات التى تشرف عمليا على العملية الانتخابية وتراجع أوراق المرشحين وتعتمدها وتعلن فى النهاية عن أسماء أطراف «العرس الانتخابى».