حذر أكثر من مسئول إسرائيلى سابق أن ما يجرى فى إسرائيل بمثابة حرب أهلية بوسائل غير السلاح. يحصل ذلك بسبب سياسات الحكومة الحالية، حكومة اليمين الدينى المتشدد، التى تتجه، ضمن أمور أخرى، لإحداث انقلاب قانونى فى توازن القوى القائم بين السلطات وذلك لمصلحة السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية.
ولم تنجح محاولات الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج فى مبادرته لتجسير الفجوة بين الحكومة والمعارضة بشأن الإصلاح القضائى الذى تصر عليه الحكومة. صراع يعكس كما رأى أكثر من مراقب للسياسة الإسرائيلية أنه يعكس فى العمق خلافا شاسعا فى الرؤية. خلاف يتعدى مسألة البنية السياسية للسلطة ليتناول طبيعة السلطة وأسسها وإدارتها لشئون البلاد وكذلك الخلاف المستفحل حول الأولويات الوطنية. ذلك كله يعكس حجم الانشطار الحاصل فى المجتمع الإسرائيلى. وسهل لا بل شجع على ذلك أن القضية الفلسطينية، كما أشرنا أكثر من مرة، كانت خارج الأولويات الإقليمية منذ فترة غير قصيرة لأسباب عديدة أهمها دون شك الحرائق التى كانت وما زال أكثرها مستمرا فى المنطقة ولو خفت لبعض الشىء. لكن المفارقة المثيرة للاهتمام أن السياسة الناشطة للحكومة الجديدة القائمة على الاستكمال السريع لتهويد الجغرافيا والديمغرافيا فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، قد أعادت إحياء الصراع على الأرض بشكل تصاعدى ومفتوح على جميع الاحتمالات. الأمر الذى أعاد فرض القضية الفلسطينية، نظرا لمخاطر التطورات الحاصلة على المنطقة ولو بدرجات وأوقات مختلفة، على جدول الأولويات الإقليمية.. ولكن لا يعنى ذلك بأى حال أن هنالك توجها للتسوية المطلوبة بل ما نشاهده هو العودة إلى محاولة تخفيض أو تجميد الصراع على الأرض خوفا من تداعياته إذا ما أخذ منحى تصاعديا فى غياب أى أفق للتسوية السلمية المطلوبة. وللتذكير فيما يتعلق بتصعيد الصراع من المنظور الإسرائيلى بخطة الوزير فى الحكومة، بتسلئيل سموتريتش الهادفة إلى تنفيذ مشروعه السياسى المسمى بخطة الحسم والقائم على محو الخط الأخضر بين إسرائيل والضفة العربية للضم الكلى للضفة. ولا بد من التذكير فى هذا المجال للدلالة على المنحى الذى اتخذته السياسة الإسرائيلية بشكل فاضح وواضح، إن إسرائيل رفضت استقبال جوزيف بوريل، المفوض الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبى الذى وجه نقدا لاذعا لإسرائيل كونها «الطرف الوحيد الذى يرفض السلام على أساس حل الدولتين، من بين باقى الأطراف».
وعلى صعيد آخر جاء مؤتمر شرم الشيخ الخماسى (الولايات المتحدة، إسرائيل، فلسطين، مصر، الأردن) الذى انعقد يوم الأحد الماضى تحت عنوان تحقيق التهدئة، ليؤكد مجددا على ما نتج عن اجتماع الأطراف ذاتها فى العقبة فى ٢٦ من الشهر الفائت: لا إقرار لبؤر استيطانية جديدة لفترة ستة أشهر، ووقف مناقشة إنشاء أى وحدات استيطانية جديدة لفترة أربعة أشهر. كما أكد المؤتمر على ضرورة إنهاء الإجراءات الأحادية فى فترة تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، إلى جانب التطلع «لوضع أسس لإجراء مفاوضات مباشرة للتوصل إلى سلام شامل ودائم وعادل». وبقدر ما أن التهدئة ضرورية إذا كانت مرتبطة بجدول زمنى أو خريطة طريق لإعادة إحياء المفاوضات على الأسس والمرجعيات الدولية المعروفة. بقدر ما أنها خطيرة فى تداعياتها إذا كانت فى حقيقة الأمر هدفا مفتوحا فى الزمان، أو عملية شراء وقت من جهة فيما تستمر إسرائيل فى سياسة الضم الفعلى والشامل للضفة العربية من جهة أخرى. وهذا ما سيستمر عليه مسار التطورات على الأرض.
سيزيد ذلك ويسرع دون شك من إمكانية الانفجار الشامل الذى متى حدث سيخلط «أوراق اللعبة» ويعيد الصراع إلى المربع الأول مع ما يحمله ذلك من تداعيات ناتجة عن التطورات المنتظرة فى سيناريو من هذا النوع: سيناريو تأجيل الانفجار. وكنا قد تساءلنا فى مقالة، فى المكان نفسه لهذا المقال منذ أربعة أسابيع، ما إذا كانت التهدئة هى الحل؟ ونتطلع من منظور مبدئى وواقعى فى الوقت ذاته، لأن تكون التهدئة مجرد محطة فى طريق ليس بالسهل وملئ بالحواجز ولكنه بالضرورى من منطلق جد واقعى لتلافى الذهاب نحو المجهول.