إنعاش الآمال فى إصلاح التعليم! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 8:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنعاش الآمال فى إصلاح التعليم!

نشر فى : الجمعة 20 أبريل 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 20 أبريل 2018 - 9:15 م

سنة وشهران مرت على نشر مقالى المعنون (وزير تعليم جديد.. إنعاش الآمال فى الإصلاح!) هنا فى هذه المساحة، وأبديتُ حينها ترحيبا بالغا وحماسا لافتا لتولى الدكتور طارق شوقى منصب وزير التعليم فى التغيير الوزارى الذى تم حينها؛ وللدرجة التى اتهمنى فيها البعض بمحاباة الوزير الجديد ــ الذى لا أعرفه ولا تربطنى به أى صلة من أى نوع، لكنى فقط قرأت عنه، وقرأت سيرته الذاتية بتفصيل، وسمعته وهو يتحدث ــ بل زاد البعض وقال إننى أعطيه «كارتا على بياض» ليقول ما يشاء ويفعل ما يشاء!

لقد قلت حينها بالحرف الواحد: سيرة الرجل العلمية والإنسانية تسبقه، وكل من استعرض شيئا من تاريخه وإنجازاته سيكتشف ببساطة أن مفتاح حضوره وتميزه أمران؛ «الانفتاح الثقافى»، و«امتلاك الرؤية»، وهما عنصران تقريبا كانا غائبين بالكلية عن معظم، إن لم يكن كل، من جلسوا على كرسى الوزارة. تجددت الآمال وانتعشت الأحلام بأن شيئا ما يلوح فى الأفق قد يحمل بوادر أو بذور تغيير مرتجى فى إصلاح التعليم، لا تنقصنا الدراسات ولا تشخيصات الأزمة، ولا أى توصيف للأمراض التى ضربت حياتنا التعليمية فى مقتل، كل هذا معلوم وموصوف ومسجل، فقط ارجعوا إلى ما كتبه الأساتذة الكبار والمفكرون الأبرار فى المائة عام الأخيرة، لكن تنقصنا دائما الإرادة المخلصة التى تضع التعليم على رأس أولوياتها، وتستدعى أهل الخبرة والكفاءة لا أهل الثقة للخروج من الأزمة وفق مدى زمنى، ومعالجة جذور المشكلات وليس أعراضها.

وفى مساء الثلاثاء الماضى (17 إبريل)، استضاف الإعلامى عمرو أديب وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى فى حوار أظنه الأهم والأخطر هذا العام حول قضايا التعليم العام فى مصر، منذ الروضة وحتى السنة النهائية فى الثانوية العامة، واستعرض الوزير خطة التطوير الشاملة، والنظام الإصلاحى الجديد للتعليم، وفق رؤية متكاملة أظنها الأولى من نوعها منذ طرح طه حسين مشروعه حول مستقبل الثقافة فى مصر عام 1936!
وللأمانة، وبصدق، فإن الدكتور طارق شوقى يكاد يكون الوزير الوحيد فى الـ 5 سنوات الأخيرة الذى يحسن الحديث ويحسن عرض أفكاره بهدوء وبساطة ووضوح، وبكفاءة حقيقية (مثل هذا المسئول أندر من الكبريت الأحمر فى حكوماتنا الموقرة)!

فى حدود خبراتى المتواضعة، ومتابعاتى التى أظنها لا تنقطع، فإننى لم أسمع ولم أرَ مسئولا فى حكومة من الحكومات التى تعاقبت بعد ثورة يناير 2011 امتلك مهارة الحديث العام الموجه لجمهور عريض، يعرف طارق شوقى كيف يتكلم، وكيف يعرض أفكاره ورؤاه ويبسطها للرأى العام، كما تفرض عليه مهام وظيفته.. وصدق من قال «تكلم حتى أراك»!
الرجل لدية «رؤية» حقيقية، ويجتهد فى عرضها وتنفيذها من دون ادعاء ولا فذلكة ولا صراخ ولا عويل.

ببساطة وضع الرجل يده على جذر الأزمة ولب المشكلة، واعترف بأننا نعانى من مشكلات ضخمة جدا و«كارثية»، فلم ينكر ولم يزيف ولم يخف الحقائق، وأن مشكلتنا فى «الأذهان» التى تقوم على أخطر شىء فى حياة الأمم والشعوب، وهو تعليم الأبناء والبنات، وما أقصده هنا بالتعليم ليس «التعليم البائس»، الفقير، الحاصل الآن، ليس التعليم الذى يختزل المعرفة فى «مناهج دراسية عقيمة»، ومقررات موروثة عفا على أغلبها الزمن وتجاوزته الشعوب..
إنما أقصد بالتعليم هنا ما أشار إليه البعض بـ«التعليم الحر»؛ أى تلك المهارات والملكات التى ينبغى على الإنسان الحر، أى غير العبد، أن يمتلكها؛ تلك المهارات التى تتلخص فى القدرة على التفكير النقدى، والتعبير عن الرأى، كتابة وشفاهة، بشكل لبق وبأسلوب سلس، والاستماع والمحادثة والجدال بشكل خلاق ومبتكر.

أصغيتُ إليه جيدا، وهو يعرض رؤيته التطويرية ومشروعه الإصلاحى الشامل للمنظومة التعليمية فى مصر، كان الوزير وبأمانة ودون مجاملة أكثر من رائع؛ ولو صح وصدق ما شرحه ووضع موضع التنفيذ بشروطه التى حددها والرؤية التى عرضها؛ فإننى أظن أن هذه هى فعلا «الانتقالة» التى نتمناها وننتظرها ونسعى إليها فى ملف التعليم منذ ستة وستين عاما.

نظريا، لا أختلف مع هذه الرؤية التى عرضها الرجل باقتدار، إطلاقا، بالعكس أجدنى شديد الحماسة لهذه الرؤية، وأرى أنه لا سبيل للخروج من النفق المظلم الذى نغرق فيه إلا بتبنى مثل هذه الرؤى الجادة الحقيقية الواعية المتصلة بما يحدث حولنا فى الدنيا كلها، وفى الوقت نفسه لا تُغفل أزماتنا المتراكمة الجذرية المزمنة، ولا بد من نقطة للبدء.

لست مختلفا ولا رافضا لأى هواجس أو توجسات إزاء أى شىء قد تعلنه الحكومة، أنا فقط أقول إننا ليس لدينا ما نخسره فى ملف التعليم بالذات، فلن نصل إلى أسوأ ولا أردأ مما وصلنا إليه، وليس هناك ما نبكى عليه فعلا! لن نخسر أكثر مما خسرناه، فلنرَ.. والمحك الذى لا يخيب هو «التطبيق».. فليكن.. لنجرب ونرى.

وأكرر؛ ليس لدينا ما نخسره، فالوضع سيئ بل أسوأ مما نتصور، ولست أختلف مع من أبدى توجسا أو تشككات فى تقدير سياسات وأولويات الحكومة؛ لكنى أختلف فى أن نكتفى فقط بالرفض، وإبداء عدم الثقة «لله فى لله»، والاكتفاء بمصمصة الشفاه، وتعليق الآمال فى إصلاح التعليم بتوجهات القيادة السياسية أيا ما كانت.
(ما يمكن ننجح؟ حد عارف!)