عنوان مقالتى هذه مستقى من عنوان تقرير فى «بى بى سي» أضَفتُ له كلمة «الحقيقية»، فأصبح العنوان مِلكى، وهذا ما تفعله «فيسبوك». فالفضيحة الحقيقية ليست كما ذكرت «بى بى سي» أن «فيسبوك» تبيع معلومات عن المشاركين فيها، بل إن تمتلك مجانا معلومات عن أكثر من مليارى مشارك فيها، وتحصل مقابلهم على موردها الأساسى من الإعلانات، الذى تجاوز عشرة مليارات دولارات العام الماضى، وبلغ صافى دخلها نحو 5 مليارات دولار، على الرغم من الضجة حول استخدامها من قبل روسيا للتدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. ولو سمحت الصين بدخول «فيسبوك» أراضيها لتضاعف هذا المبلغ أضعافا عدة، لكن «بكين» أنشأت شركات صينية تضاهيها، ولم يغير موقفها زواج «زوكربيرج»، رئيس «فيسبوك» من الفتاة الصينية «تشان»، ولا تحدثه بالصينية عند لقائه بالرئيس الصينى «تشي».
والحكمة الصينية القديمة تقول «لا تستولى على العالم أبدا لأجل التلاعب به، فمن يريد التلاعب بالعالم ليس أهلا لامتلاك العالم». و«فيسبوك» تراهن على امتلاك العالم منذ أسسها «زوكربيرج» عام 2004 وطرح أسهمها للتداول عام 2014، وبلغت قيمتها فى السوق هذا الشهر 458 مليار دولار. ويبدو نمو «فيسبوك» الخارق فى حجم وتنوع الشركات التى تمتلكها، ويربو عددها على العشرة، بينها «إنستغرام» لتبادل الصور وتسجيلات الفيديو اشترتها «فيسبوك» عام 2012 لقاء مبلغ مليار دولار، ومنها انطلقت «هاشتاج» للتراسل الفورى التى تستخدم دالة # فى «مزج» المعلومات، وهى تتدحرج عبر العالم، مثل كرة الجليد. وتلعب «هاشتاج» على مدار الساعة أدوارا مدهشة فى حملات سياسية واجتماعية فى كل مكان ولغة، بما فيها العربية. والشركات التى تقتنيها «فيسبوك» أسطورية مثلها فى النمو والانتشار، بينها «واتس آب» التى اشترتها عام 2014 لقاء 19 مليار دولار، وأنا وعائلتى وأصدقائى من بين مليار ونصف مليار مشارك فيها، نستخدمها كشبكة وصل مغلقة ومجانية وفورية لرسائل مقروءة ومسموعة ومصورة عددها 60 مليارا يوميا من أشخاص وجماعات فى 180 بلدا يقدم خدمات «الإنترنت» أو «واى فاي». واقتنت «فيسبوك» أخيرا شركة «آنسنتا» لصناعة طائرات من دون طيار «الدرونز» لتوفير خدمات «الإنترنت» فى المناطق المحرومة منها.
واستجواب 45 عضوا فى «الكونجرس» الأمريكى لرئيس «فيسبوك» فضيحة ظريفة، فمعظمهم يتلقى تبرعات مالية من «فيسبوك»، والوقت المتاح لاستجواب كل عضو أربع دقائق، لم تكن كافية إلاّ لاستعراض معلوماته عن «فيسبوك» وكيف يستخدمها وأفراد فى دائرته الانتخابية، وقبل أن تنتهى الدقائق الأربع يقول إنه سيقدم الأسئلة تحريريا. وبدا الاستجواب كأب غنى يطرى ابنه المخطئ، ويعاقبه بالذهاب إلى غرفة نومه، والتفكير بما فعل.. و«اعطنى الموبايل، وخذ هذا الموبايل الجديد». ذكر ذلك «تريفور نوح» فى برنامجه التليفزيونى «ديلى شو»!
وفضيحة «فيسبوك» العظمى تتمثل فى فقدان السيطرة عليها أمريكيا وعالميا، وحيرة أعضاء «الكونجرس» الأمريكى فى جلسة الاستجواب عما إذا كانت «فيسبوك» شركة تكنولوجية، أو ناشرا. و«فيسبوك» نفسها لا تعرف ما هى، منذ برمجها «زوكربيرج» فى مهجعه بجامعة «هارفارد» وترك الدراسة لأجلها. وغير صحيح قوله فى شهادته فى الكونجرس أنه بإمكان أى مستخدم استعادة المعلومات الموجودة عنه فى «فيسبوك» وحذف ما يريد حذفه، فأنا استخدمت عندما اشتركت فى «فيسبوك» قبل نحو سنتين كل معرفتى التكنولوجية لحذف معلومات لا ضرورة لها عن تاريخ ميلادى. ولم تطمئنى مهارتى فى حذف المعلومات الفاضحة، لمعرفتى أنها تظل محفوظة فى أرشيف «فيسبوك»، الذى لا ينسى قط، أى شيء. وأم الحكم الصينية «الطاوية» تقول «المرأة الفضولية قادرة على قلب قوس القزح لمجرد أن ترى وجهه الآخر».
محمد عارف
الاتحاد ــ الإمارات