إن الكلام الذى قاله رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما فى مقابلة تليفزيونية أجريت معه فى نهاية سبتمبر 2014 هو بمثابة اعتراف بأن الولايات المتحدة أخطأت فى تقديرها قدرة تنظيم «داعش» على العمل والتعبئة، وبالغت فى تقدير قدرات الجيش العراقى على محاربة هذا التنظيم. وفى الواقع وخلال وقت قصير وبصورة مفاجئة نجح التنظيم فى تنصيب نفسه مخلصا للأمة الإسلامية من سلاسل الغرب الظالم، وأنه بصدد إنشاء نظام عالمى جديد. وبعكس تقديرات الأجهزة الاستخباراتية فى الولايات المتحدة وفى إسرائيل أيضا.
إن حقيقة فشل الاستخبارات الأمريكية فى تقدير قوة هذا التنظيم بصورة صحيحة، وفى تقدير الواقع المتغير فى منطقة الشرق يجب أن تشكل تحذيرا قويا لإسرائيل أيضا. وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست موجودة حاليا على رأس أولويات «داعش»، إلا أنها لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالانتظار حتى يتحول هذا التهديد إلى خطر فعلى، وإلى أن يقوم أعضاء «داعش» وحلفاؤها بصورة منظمة أو فردية، بعمليات مباشرة ضدها. لذا يتعين عليها أن تعيد النظر فى بعض المسلمات الاستراتيجية التقليدية. يجب وضع رؤية استراتيجية جديدة تستند إلى احتمال تحول الخطر الذى تمثله التنظيمات الجهادية السنية الراديكالية عاجلا ام آجلا نحو إسرائيل. حينها ستجد إسرائيل نفسها تواجه «داعش» والفصائل المتحالفة معه أو المؤيدة لنهجه من التى تعمل فى المناطق المتاخمة لحدودها فى شبه جزيرة سيناء والأردن وهضبة الجولان السورية. وقد بدأت تبرز مؤشرات مقلقة لتأثير الرسالة الجهادية لداعش فى الضفة الغربية وحتى داخل إسرائيل. لذا، يتعين على إسرائيل وضع مقاربة استخباراتية عسكرية وسياسية جديدة تستطيع توصيف الخطر وتحديد ماهية الرد على الواقع الإقليمى المتغير. وإلى جانب الحاجة إلى تحديث التقديرات الاستخباراتية والعملانية، فإن المطلوب تفكير جديد للعلاقة مع الأطراف الإقليميين المختلفين.
برزت الحاجة إلى تفكير مختلف لدى إسقاط طائرة سورية على يد المنظومة الدفاعية الجوية الإسرائيلية فى 23 سبتمبر الماضى. فهذه الطائرة التى تسللت من طريق الخطأ إلى هضبة الجولان كانت فى طريقها إلى مهاجمة أهداف تابعة لجبهة النصرة. لكن بسبب التغييرات الجذرية التى طرأت على ميزان القوى داخل سورية نفسها، فمن الواضح للجميع أن الجيش السورى لا ينوى ولا يستطيع اليوم فتح جبهة ضد إسرائيل، لذا يتعين علينا إعادة النظر فى ما إذا كان المنطق القديم لا يزال سارى المفعول.