القمة البريطانية الإفريقية للاستثمار حدث مهم دعت إليه، واستضافته بريطانيا. الأهداف التى تسعى إليها لندن متعددة، منها الإفادة من تزايد وتيرة التجارة بين دول الجنوب ذاتها، ومواجهة اتساع الاستثمارات الصينية والهندية فى إفريقيا، وأيضا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فرض عليها البحث عن اتفاقات تجارية جديدة. شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذه القمة، وهو ما يعبر عن أن نهج العودة إلى إفريقيا بقوة بدأ يأتى بثمار، والتوازن فى النظر إلى الدور المصرى مهم، بعد أن كان حصريا فى الشرق الأوسط، أصبح الآن له حضور إفريقى، ويجسد ذلك الانتقال المكانى فى غضون يومين من برلين ــ حيث كانت الأزمة الليبية على بساط البحث ــ وهى قضية غلب عليها النظرة البحر متوسطية، والشرق أوسطية، إلى لندن حيث التفاعل مع القارة الإفريقية.
فى كلمته أمام القمة أشار الرئيس السيسى إلى عدد من النقاط المهمة منها التنمية الشاملة، وربط القمة البريطانية الإفريقية بأهداف الأمم المتحدة للتنمية، والاستقرار الاجتماعى، ومشروعات البنية التحتية، وفرص الاستثمار، والعدالة فى التبادل التجارى، وهى جملة من المبادئ الضرورية التى تأتى فى سياق نظرة أرحب للعلاقة بين الاستثمار والتنمية، وهو ما يحتاج إلى تصور دولى تشارك فيه جميع الدول. وقد رصد عدد من الباحثين المهمين فى «معهد دراسات التنمية» بجامعة ساسكس ببريطانيا عشية انعقاد القمة خمسة محاور أساسية لتحقيق علاقة متوازنة بين التجارة والتنمية:
أولا: العدالة فى توزيع عوائد الاستثمار، سواء من حيث المنافع الاقتصادية، قواعد تنظيم العمل، ومراعاة الأبعاد البيئية، والأمن الغذائى.
ثانيا: أهمية المشاركة الشعبية، والمساءلة العامة على مستوى كل دولة، فى متابعة المفاوضات التجارية، على نحو يساعد على حماية الفئات المهمشة، والعمال، والمناطق المختلفة داخل الدولة، ولا تجنى الأرباح سوى فئات محدودة أو تتركز فى مناطق جغرافية بعينها.
ثالثا: مواجهة عدم المساواة بجميع صورها، من التجارة الرقمية إلى نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى مختلف المجتمعات.
رابعا: دعم التجارة لا يكفى، حيث ينبغى أن يأتى فى سياق منظومة أوسع تشمل دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة، وتمكين رجال الأعمال من إطلاق مبادرات جديدة، وتفعيل سياسات الحماية الاجتماعية.
خامسا: التعاون الدولى فى مجال التجارة ينبغى أن يتوافق، ويعزز ويدعم التوجه العالمى لتحقيق الاستدامة فى التنمية، التجارة يتعين أن تكون داعمة للتنمية، وليست فقط لجنى الارباح التى قد تأتى على حساب التوازن فى المجتمعات، حيث يزداد الاغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقرا.
هذه محاور خمسة اقترحها باحثون ينشغلون بقضايا التنمية والتجارة، وهو جزء من عملهم البحثى اليومى، ويعبر عن نظرة متكاملة أظن أن مصر تحتاج إلى الاهتمام بها، ودفعها إلى الأمام على المستوى الدولى، وهى التجارة والاستثمار من أجل التنمية، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتحقيق العدالة فى التوزيع بين السكان والمناطق المختلفة، والحفاظ على المناخ، والبيئة، والتخلص من عقدة الاستغلال التى لا تزال تلتصق بالتجارة والاستثمار.