الكاتب الراحل لينين الرملى عرفناه أيضا كمؤلف للأفلام والدراما التلفزيونية، ولعل القليلين يعرفون أن والداه هما الكاتب السياسى، المسرحى فتحى الرملى، وأن أمه هى الروائية المناضلة سعاد زهير صاحبة رواية «اعترافات امرأة مسترجلة» المنشورة فى سلسلة الكتاب الذهبى، وهى عمل أدبى يقارب فى أهميته رواية «الباب المفتوح» للدكتورة لطيفة الزيات، باعتبار أن هناك كاتبة تناصر قضايا المرأة، وقد تحولت الروايتان إلى فيلمين، الأول نال حظه من الشهرة والمكانة، والثانى لا يكاد يعرفه أحد، قامت ببطولته نادية لطفى، وكمال الشناوى وصلاح ذو الفقار، من إخراج سعد عرفة 1971، وعليه، وباعتبار أننا أمام فيلم مأخوذ عن رواية لكاتبة ذات موقف نضالى، فإنه فيلم نسوى فى المقام الأول، الشخصية الرئيسية فى الفيلم هى امرأة، أما الرجل فهو كائن هامشى ثانوى، غير مرغوب فيه، حتى إن كان هو الرجل الذى يمتلك القوة والسلطة والذكورة، والمرأة هنا موجودة طوال الأحداث، ليست امرأة تافهة، بل غالبا مثقفة قادرة على الرفض والقبول، وهى التى تحدد علاقتها بالرجل الذى همه الأساسى هو لحم المرأة.
من المهم الكلام عن سعد عرفة كمخرج، وايضا عن عمله أكثر من مرة مع نادية لطفى، هو من أكثر المخرجين جرأة، وقد اهتم فى مراحله بموضوعات حساسة، منها التطرف الذى أصاب المجتمع فى أفلام مثل «غرباء» و«الملائكة لا تسكن الأرض» و «الحب قبل الخبز احيانا»، وبداية من السبعينيات اهتم كثيرا بالجنس لدى المصريين، وكان بالغ الجرأة فى فيلم «رحلة العمر»، ثم «الحب قبل الخبز أحيانا»، وهو مأخوذ ايضا عن رواية نسوية للكاتبة السورية سلمى شلاش، وأيضا فيلم «اعترافات امرأة» الذى تدور أغلب أحداثه فى الفراش حول عروس لا تستطيع التوافق مع زوجها. خاصة أنها تخاف من الظلام، وحاول زوجها استمالتها بصعوبة شديدة، فهى بالغة البرودة، والخوف، والتردد، والفراش هنا كثير ومتعدد، فعقدة حياتها أنها شاهدت والديها فى السرير، وهى دون العاشرة، كما ان الفراش جاهز فى عربة النوم بقطار الصعيد للزميلين اللذين يسافران فى مهمة عمل، وأصوات زوجين يمارسان الحب يتدفق من الغرفة المجاورة فى القطار، وهما فى رحلة شهر العسل، بدا سعد عرفة هنا مؤرقا بشدة بمسألة التواصل الحسى، بين نادية والرجال فى حياتها، فهناك فنان تشكيلى سبق أن ارتبطت به، وفعلت معه، يوجد بالمصادفة فى أسوان أثناء وجودها هناك.
والأمر مختلف تماما فى رواية سعاد زهير المعنونة «اعترافات امرأة مسترجلة» وهى تدور على لسان موظفة تقدم بها السن إلى ما فوق الثلاثين، لم تجرب مشاعر الحب من قبل، تعيش داخل نفسها، وأنوثتها المفقودة، أكثر ما تعيش مع الناس خارج حدود هذا الجسد، وأرى أن نادية فى الفيلم تختلف تماما عن بطلة الرواية، فالمرأتان متناقضتان، إحداهما تخاف من الرجل بسبب حادث عنف جسدى أصابها من أحدهم وهى لا تزال طفلة، أما الثانية فأقرب أن تكون ذكرا فى جسد امرأة لا ترغب فى الرجل، ولا تسعى إليه، أما الرجال فإنهم لا يكادوا يلمحونها، وبالتالى فإنها لا تملك التبرير، لكن ظروفها تمنعها من الطلب، أو البحث عن أى علاقة معهم، وبالتالى فإن السيناريو السينمائى تجاهل كل ما بالرواية من وقائع مثلما حدث بالضبط فى فيلم «المستحيل» إخراج حسين كمال، فالرجل فى العملين مختلف تماما، كما نرى فالكاتبة تحاول أن تكسو بطلتها بعضا منها، وكنت أعرفها وأقدرها كثيرا هى وابناءها على المستوى الشخصى، والأدبى وكلهم عملوا فى الأدب، ومن المهم أن نذكر ذلك لأن كاتب هذه السطور له اهتماماته الفكرية أو الثقافية، وأن الأمر لا يتعدى مشاهدة فيلم، بل أن نضعه فى خريطة حياتنا، واهتماماتنا، لأننى على المستوى الشخصى كثيرا ما كنت أخلط فى الذاكرة بين هذا الفيلم، وفيلم
«وجوه بلا ملامح» إخراج محمود ذو الفقار عام 1972، أى بعد إنتاج الفيلم الأول بعام، وهو أيضا من بطولة نادية لطفى بالهيئة نفسها مع صلاح ذو الفقار، أى إن الفيلم الثانى فقط وضع محمود المليجى بدلا من كمال الشناوى.
يجب أن نعرف أن سعاد زهير نشرت روايتها فى مجلة روز اليوسف عام 1959، وهى المؤسسة التى تحمست كثيرا لروايات من النوعية نفسها، ابتداء من «أنا حرة»، وقد نشرتها الكاتبة فى كتاب عام 1960، وقالت فى المقدمة أنها عانت كثيرا من مواقف الأسرة حين تصور البعض أن الكاتبة هى البطلة، إنها امرأة فرض عليها المجتمع أن ترتدى الملابس الثقيلة بدافع العفة، وتضعها التقاليد فى ظروف تصيبها باللامبالاه تجاه كل شىء، خاصة ما ترتديه من ملابس لدرجة تصنع منها امرأة بالغة البرود، فالأمران واحد: اللامبالاة والبرود.
لعلى أستطيع أن أفهم الآن الفارق بين الأدب والسينما بالنسبة لعنوان الرواية، فالكتاب يعطى الأمر جدية حول المأساة التى تعانى منها امرأة شرقية من هذا الطراز، تقوم بالاعتراف على الورق بما تخجل الأخريات من الحديث عنه، أما فى السينما فلا شك أن العنوان نفسه لو صار لفيلم، يوحى بالسخرية، والضحك، فكم رأينا من أفلام سينمائية حول نساء مسترجلات يمارسن القتل، فى «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» و «فتوات الحسينية»، وغيرها.
المفروض أن نهاية الفيلم تفسر الحالة التى أصابت نادية، لكن باعتبار أننا أمام فيلم يختلف تماما عن الرواية، فإن نادية عندما تلتقى الفنان بالمصادفة فى أسوان، فإنها تجرى هاربة منه، فيجرى خلفها حتى يلحق بها، ويحاول مصالحتها، وهنا تتذكر كيف حاول التحرش بها من وجهة نظرها، ونفهم أنه بينما فعل ذلك فإن النور انطفأ، ومن هنا جاءت عقدة أصابتها بالخوف من الظلام، كما أن هناك سببا إضافيا، حين دخلت نادية الطفلة إلى غرفة أبيها الذى طرد أمها وطلقها، فشاهدته يمارس الجنس مع فتاة شابة فى فراش أمها. وتأتى النهاية غير شافية فالقطار يتجه بالمرأة إلى القاهرة، فى نهاية مفتوحة، توحى أن مشكلة نادية لن يتم حلها، وهى التى فى حياتها الآن ثلاثة رجال يحبونها، انفصلت عنهم بلا عودة، وبالطبع فإن المرأة المسترجلة فى الرواية تختلف تماما عن نادية كما رأيناها فى الفيلم.