الفيوم.. دندرة تجربتان ملهمتان في اختراع الأمل - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:16 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفيوم.. دندرة تجربتان ملهمتان في اختراع الأمل

نشر فى : الثلاثاء 21 فبراير 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 فبراير 2023 - 8:10 م
عايشت خلال الأسبوع الماضى تجربتين مهمتين فى التنمية الثقافية والاجتماعية التى تراهن على الإنسان وتستهدف الارتقاء به وبوعيه وأجمل ما فيهما أنهما اعتمدتا بشكل أساسى على مبادرات مدنية وعلى مكونات المجتمع المحلى وبالتالى لم تلعب المؤسسات الرسمية أى دور فى التوجيه أو الإرشاد لكنها والحمد لله شاركت وباركت وقدمت دعما معنويا هائلا ولم تسد الطريق وهذا هوالمطلوب.
انطلقت التجربة الأولى التى أقصدها من الفيوم حيث دعانا الفنان الكبير محمد عبلة باسم مركز الفيوم للفنون لنشهد حفل ختام الدورة الأولى لمنحة «نقطة انطلاق» التى نظمها المركز بالتعاون مع مؤسسة ساويروس للتنمية الاجتماعية وأدارها بكفاءة بالغة الفنان إبراهيم عبلة.
المنحة كانت مخصصة للفنون التشكيلية وطوال 3 أشهر استضاف المركز فنانين من العالم تحاوروا وعملوا إلى جوار 4 من الفنانين الشبان وهم فنان التصوير أحمد مجدى والفنانة دينا صاموئيل وفى مجال نحت الخزف شاركت الفنانة إنجى عمارة، والنحات إبراهيم صلاح وقدم هؤلاء أعمالا متميزة تكشف بوضوح حجم استفادتهم من المنحة، بعد تفرغهم التام للعمل فى أجواء مثالية تضمن لهم التركيز.
وتمثلت المفاجأة الكبرى فى التمثال الميدانى الذى أنجزه الفنان إبراهيم صلاح وتم نصبه فى ساحة خصصتها المحافظة قرب قرية الصديق قبل وادى الحيتان بقليل ويصور التمثال حوتا ضخما تم تجسيمه من شرائح الحديد وقام الفنان بتكسيته بشرائح من خامات الكاوتشوك التى اعاد تدويرها وعلى الرغم من بساطة الخام والفكرة إلا أن العمل حظى بإعجاب الجميع.
برزت فى تجربة الفيوم مجموعة من الأمور الدالة على جدية مختلف الأطراف ما يجعلها نموذجية فى التعاون والتشبيك بين مؤسسة مختصة بالفن وأخرى مختصة فى التنمية الاجتماعية وذات خبرة كبيرة فى العمل وبناء الشراكات وهى مؤسسة ساويرس وظهر للجميع حماس ميس أبوحجاب مدير البرامج الفنية بالمؤسسة للتجربة كما حرص الدكتور وليد قانوش الرئيس الجديد لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة على دعمها بالحضور مؤكدا ثقته فى القائمين عليها وأعجبنى جدا أكثر حماس الدكتور أحمد الأنصارى محافظ الفيوم الذى قدم كلمة افتتاحية مثالية، غير معتادة من المحافظين وبالتالى كانت غير مستهلكة وأظهرت إيمانه بالفن والأدوار التى يلعبها
ولعلها المرة الأولى التى نشهد فيها محافظا شابا جاء مرتديا الجينز يرحب بتعاون فنانين متخصصين ويتيح لهم فرصة تجميل ميادين المحافظة دون اللجوء للمقاولين وللفنانين الهواة الذين ينتجون تماثيل وتصماميم تثيرالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعى.
طوال ساعتين تقريبا تفقد المحافظ الأعمال الفنية التى نتجت عن المنحة، ولم يكتف كالعادة بقص الشريط وخرجت الحركة الفنية بجملة مكاسب من المحافظ الذى وجه باستغلال كامل مساحة الميدان الذى تصدره تمثال الحوت، والتى تبلغ 9 آلاف متر مربع، لعمل مساحات خضراء وإنشاء استراحات للزائرين، وتجهيز الإضاءة اللازمة، كما وجه بعمل لوحة تعريفية توثيقية ــ على شكل جدارية ــ لمراحل عمل التمثال، لافتا إلى أهمية بحث ودراسة إمكانية تحويل المنطقة بالكامل لمتحف مفتوح لأعمال الفنانين، وتجهيزه بالشكل الذى يسمح لهم بتنفيذ أعمالهم الفنية بالموقع.
ولفت نظرى أيضا تأكيد الفنان محمد عبلة على أن الفن أسرع وسيلة لتوصيل الأفكار، معتبرا أن ما يقوم به من فاعليات ونشاطات ما هو إلا رد جميل للفيوم وأهلها وهذه الكلمة هى مفتاح نجاحه هناك لأنه امتلك شفرة التواصل مع الناس.
ولا تختلف التجربة الثانية التى عايشتها فى دندرة بمحافظة قنا داخل مهرجان منتدى دندرة الثقافى عن اهداف تجربة الفيوم فى رد الجميل للناس لكنها تشتغل على شريحة جماهيرية أكبر وعلى مسارات مختلفة يتقاطع فيها التنموى مع الدينى والثقافى ويستثمر أجمل فى القبلية وهو الجانب المتعلق بتعزيز الانتماء ويعمل على تحويله إلى حافز وطاقة عمل خلاقة تنبذ التعصب وتؤمن بالتسامح وتقبل الآخر باختلافه.
ولم تكن تجربتى مع منتدى دندرة هى الأولى، فقد شرفنى الأصدقاء القائمون عليها بدعوتى قبل 6 سنوات وأصبحت بعدها من سفراء التجربة، ولم أتوقف أبدا عن دعمها والإشارة إليها فى جميع المنتديات التى أدعى لها داخل مصر وخارجها وبقيت فخورا بها لأنها تصدر عن المحافظة التى ولد فيها أبى وأمى،
أجمل ما فى تجربة منتدى دندرة أنها مثالية تماما فى التنظيم والتأثير فى مجتمعها الذى انتقل بفضلها إلى تصور آخر عن القبيلة وهذا العام كان موضوع النقاش المصاحب للمنتدى يدور حول قبول الآخر المختلف وخلال الجلسة استمعنا من قلب الصعيد لخطاب جديد ينبذ الطائفية والتعصب ويشارك فى تقديمه دعاة وقساوسة وخبراء فى البحث الاجتماعى وكم كانت فرحتنا هائلة ونحن نستمع لخطبة الأنبا (بيمن) أسقف نقادة الذى قدم خطابا جماهيريا مؤثرا أظهر قدراته الفذة وفهمه العميق لما هو مطلوب من رجل دين معاصر.
وهذا العام شرفت بمصاحبة أصدقاء كبار لهم فى قلبى مكانة وهم أحمد الجمال ونبيل عبدالفتاح وعمرو الشوبكى وفؤاد السعيد وعمار على حسن وقد جئنا جميعا استجابة لدعوة عمر نجل الصديق الراحل الدكتور هانى رسلان الخبير المعروف فى شئون السودان وامتثالا لرسالته فى تعزيز انتمائه لتجربة منتدى دندرة الذى كان أحد المخططين له وأحد أبرز من ساهموا فى تطويرها وأظن أن الأوان قد آن لدراسة تجربة منتدى دندرة التى تعمل على استثمار الجانب القبلى وتطويره كحافز تنموى يعزز من قدرات المنتمين له وأتمنى من الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية وعالم الاجتماع المعروف أن يوجه أحد تلاميذه لهذا البحث لنعرف كيف نجح الأمير هاشم أمير الأسرة الدندارية فى تحديث البنى التقليدية وربطها بمؤسسات شريكة داخل مصر وخارجها أهلت المنتمين ليصبحوا أكثر اعتزازا بأدوارهم الجديدة كدعاة علم وعمل.