«الحوار الوطنى» اليمنى: البداية المبتورة - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الحوار الوطنى» اليمنى: البداية المبتورة

نشر فى : الخميس 21 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 21 مارس 2013 - 8:00 ص

بدأت مطلع هذا الأسبوع جلسات «مؤتمر الحوار الوطنى» فى صنعاء. أول ما يجب قوله إن انعقاد المؤتمر حدث بذاته يشكل خطوة كبرى فى المرحلة الانتقالية المفترض أن تعبر باليمن إلى صياغة نظام سياسى جديد. فقد كان مقررا أن يبدأ جلساته قبل نهاية العام المنصرم، وجرى تأجيله مرات عدة لحاجة اللجنة التحضيرية إلى المزيد من الوقت لإنجاز النظام الداخلى وصياغة الأوراق لفرق العمل التسع التى سوف تبتّ فى مسائل الحراك الجنوبى ووضع محافظة صعدة وإعادة هيكلة الجيش والعدالة الانتقالية والحوكمة. والعنوانان الأخيران من المصطلحات الدارجة فى الأمم المتحدة التى أشرفت وكالاتها على التحضير للمؤتمر. ومعلوم أنه سوف يصعب تنفيذ أى بند من بنود العدالة الانتقالية تلك ما دامت «المبادرة الخليجية» التى ينعقد المؤتمر بما هو بند من بنودها التنفيذية قد أعفت الرئيس المخلوع على عبدالله صالح و«معاونيه» من أى مسئولية مالية وجرمية عن سنوات حكمه الثلاثة والثلاثين.

 

•••

 

مهما يكن، يضم المؤتمر ٥٦٥ مندوبا يفترض بهم تمثيل كل أطياف المجتمع اليمنى وتياراته السياسية وفئاته الاجتماعية ومناطقه المختلفة. سوف تبث مداولات المؤتمر عبر الإذاعة والتلفزة، وقد عين له ستة أشهر لإنجاز اعماله. للوهلة الأولى يبدو أن اتساع عدد اليمنيين الذين سوف يشاركون فى تقرير مصير بلدهم وطول المهلة المعطاة لإنجاز مهمتهم ظاهرة سليمة بذاتها. إذ تبدو هذه الصيغة أقرب إلى فكرة المؤتمرات التأسيسية التى طالبت بها ائتلافات الشباب الثائر فى تونس ومصر واليمن ذاتها، قياسا إلى الطرائق الانتقالية التى اعتمدت فى تونس ومصر وليبيا. إلى ذلك تقرر أن تضم كل كتلة سياسية ممثلة فى المؤتمر ٣٠ بالمائة من النساء إضافة إلى حصص خاصة لتمثيل الشباب والنساء والمستقلين.

 

ولكن يبدو المشهد أقل ايجابية عند التدقيق فى طرائق التمثيل والمشاركة.

 

جريا على «تطمين» الرئيس المخلوع جرى تخصيص حزبه، حزب «المؤتمر الشعبى»، بأكبر نسبة من الممثلين فى المؤتمر. ومن جهته تولى رئيس الجمهورية الانتقالى، وهو نائب رئيس الحزب المذكور، تعيين ممثلى الشباب والنساء والمستقلين ما أثار استياء الكثرة من هذه القطاعات فى مقدمهم محمد سالم باسندوه، رئيس الوزراء، الذى أعلن مقاطعة جلسات المؤتمر احتجاجا على الانحياز فى اختيار ممثلى تلك الفئات الثلاث. وقد شاركت أحزاب «اللقاء المشترك»، وهى تكتل المعارضة الأساسى رئيس الوزراء الاحتجاج دون أن تصل إلى حد مقاطعة الجلسات. إلى ذلك قاطع الشيخ حميد الأحمر، رجل الأعمال البالغ النفوذ والثراء وأحد مشايخ قبيلة حاشد والقيادى فى حزب «التجمع اليمنى للإصلاح»، جلسات المؤتمر اعتراضا على اقتصار تمثيل محافظة صعدة على مندوبين عن «الحركة الحوثية» دون سواهم من سكان المحافظة. ومن مفارقات الأمر الحزينة أنه تقرّر بدء جلسات مؤتمر الحوار يوم ١٨ آذار/مارس تخليدا لذكرى مجزرة «جمعة الكرامة» التى نفّذها قناصة على عبدالله صالح بالمعتصمين فى «ساحة التغيير» بصنعاء أسفرت عن مقتل خمسين شابا ومئات الجرحى، فى الوقت الذى يجرى فيه تقليص تمثيل شباب الثورة فى المؤتمر وتعظيم تمثيل ممثلى نظام على عبدالله صالح الذى قامت الثورة لتغييره. فلا عجب أن تقرر معظم كتل الشباب الثائر مقاطعة أعمال المؤتمر ولسان حالها: كيف يمكن أن يجلس على طاولة واحدة ممثلو الثورة ومن أطلق النار عليهم؟ ومهما يكن، فالمقاطعة الشبابية إعلان عن الاحتجاج على سياسة الإبعاد والتهميش المنتظمة التى تمارسها السلطات اليمنية على الشباب الثورى والعمل على إخراجهم من الساحات ولو بالقوة والعنف، وتهميشهم فى مؤسسات المرحلة الانتقالية كافة. على أن القوى الشبابية لن تستسلم لمحاولات تهميشها، بل قررت عقد سلسلة من النشاطات للضغط على المؤتمر من خارجه لعدة أهداف تبدأ مع إخراج أجهزة الأمن من الجامعات ولا تنتهى مع الدعوة لمحاكمة على عبدالله صالح، واستعادة الأموال المنهوبة، واستكمال عزل ابنائه وأقاربه من قيادة الوحدات العسكرية والأمنية ومن المراكز الحساسة فى الدولة.

 

على أن الغائب الاكبر عن مؤتمر الحوار وعن الحوار هو طبعا الكتل الرئيسة فى «الحراك الجنوبى» الذى أطلق الشرارة الأولى للثورة اليمنية. فقد التقى دعاة «فك الارتباط» بين الجنوب والشمال، المطالبون باستعادة دولة اليمن الجنوبى، التى كانت قائمة قبل الوحدة بين شطرى اليمن، العام ١٩٩٠، مع دعاة الفيدرالية بين الجنوب والشمال على رفض المشاركة فى المؤتمر على رغم كل المحاولات التى بذلها مندوبو الأمم المتحدة لإقناعهم بالمشاركة. ويطالب المكوّنان بـ«حوار ندّى» بين ممثلين عن شطرى الوحدة اليمنية السابقين. وقد خرجت تظاهرة «مليونية» فى مدينة عدن، يوم افتتاح أعمال المؤتمر بصنعاء، تطالب بالحوار الندّى، تحت شعار: «القرار قرارنا».

 

•••

 

هذه البداية المبتورة سوف تلقى بكامل ثقلها على أعمال مؤتمر الحوار الوطنى اليمنى. على انها ليس هى وحدها ما يجب أن يشغل البال. تبقى المداولات التى سوف يَحسم نتائجَها مدى نجاح اليمن فى العبور من نظام الاستبداد المافيوى إلى الديموقراطية المدنية فى كيان جديد قادر على التخلّص من المركزية الاستبدادية وعلى الاعتراف بالحقوق المناطقية والجهوية لمكونات البلد الرئيسة، فى إطار نظام فيدرالى يشمل اليمن كله، ولا يستثنى حق أهالى المحافظات الجنوبية فى تقرير مصير علاقتهم بسائر أجزاء اليمن من خلال استفتاء شعبى مراقب عربيا ودوليا.

 

بناء على معايير كهذه يمكن متابعة أعمال مؤتمر الحوار الوطنى اليمنى والحكم على نتائجه.

 

 

 

سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى

 

ينشر بالاتفاق مع جريدة السفير اللبنانية

 

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات