إن الردع مفهوم خاطئ يتردد كثيرا فى إسرائيل. حماس مردوعة، حزب الله مردوع، إيران مردوعة، سنستعد الردع، وسنرمّمه، ولا نتحمل المسّ بالردع، يتعين علينا الردّ من أجل تعزيز الردع.
وإذا كان هذا المصطلح لم يفقد مغزاه بصورة مطلقة فى 7 أكتوبر، فإنه بالتأكيد فقد معناه فى ليلة 13-14 أبريل جرّاء الهجوم الإيرانى على إسرائيل.
هذه المرة الأولى التى تشهد فيها إسرائيل مثل هذا السيناريو، لذلك، هرعت إسرائيل «لترميم الردع» على طريقتها.
وإذا كان هناك وجود للردع، فإنه كان من جهة الولايات المتحدة حيال إسرائيل وإيران، لأن محاولة منع نشوب حرب واسعة النطاق هى مصلحة أمريكية أساسية منذ أكتوبر.
المستوى السياسى أيضا تعرّض لضربة كبيرة، فبينما كانوا فى إسرائيل يتباهون بنجاح اعتراض الهجوم ومنع التصعيد فى هذه الفترة الزمنية، رأت الولايات المتحدة ودول الخليج أن تبادُل الضربات يشكل خطرا تصعيديا كبيرا، وذريعة مباشرة لبلورة وإنشاء «هندسة أمنية» جديدة فى الشرق الأوسط، تشكل جزءا مركزيا من مجموعة أفكار تسمى «خطة بايدن» التى تبدأ بمستقبل قطاع غزة، وتحتوى على مكوّن سياسى فلسطينى. لقد تجاهلت إسرائيل هذه الخطة، واستخفت بها، وبالربط الذى يقيمه العالم اليوم بين غزة وإيران.
الانطباع السائد بعد الهجوم المحدود فى منطقة أصفهان، المنسوب إلى إسرائيل، أن الدولتين عادتا، عمليا وجوهريا، إلى الستاتيكو الذى كان قائما قبل 1 أبريل، يوم هاجمت فيه إسرائيل القنصلية الإيرانية فى دمشق، هو انطباع غير صحيح من أساسه.
الاعتراض الناجح لجزء كبير من المسيّرات والصواريخ هو إنجاز تكنولوجى باهر، لكن لا علاقة له بالردع. أولا، لدى إيران قدرة على التعلم. ثانيا، الائتلاف الذى ساعد فى الدفاع عن إسرائيل، وشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والمساعدة الاستخباراتية من دول أُخرى، لن يكون بالضرورة موجودا فى الجولة المقبلة. ثالثا، الهجوم لم يشمل حزب الله الذى نعرف حجم ترسانته الصاروخية ونوعها.
على الرغم من اعتبار إيران عدوا مركزيا للأمن القومى الإسرائيلى، واعتبار السلاح النووى الإيرانى المحتمل خطرا وجوديا، فإن نتنياهو لم يلجأ قط إلى تطوير استراتيجية منهجية ومنتظمة فى هذا الشأن.
كان من المتوقع من شخص يعتقد أن التاريخ اليهودى يعيد نفسه، وأنه تجرى كل مائة عام محاولة منهجية للقضاء على الشعب اليهودى، أن يضع استراتيجية مُحكمة وبعيدة الأمد ضد هذا الخطر.
لكن هذا يفترض تفكيرا سياسيا حكيما وجذريا، وتفضيل المصالح الوطنية، وبناء صبورا لتحالف دولى وإقليمى. ومثل هذه الاستراتيجية تفرض تحديد أهداف عليا، وترسيم أهداف يمكن تحقيقها، ورؤية جيو استراتيجية تساعد على تحقيق هذه الأهداف، وتعاونا وثيقا وحميما، وثقة بالولايات المتحدة، وهذه المجالات لا يبرع فيها نتنياهو.
كما فى موضوعات أُخرى، الخطابات هى كل شىء، والكلام هو الهدف، والتخويف هو الأداة، والشفقة هى الموسيقى، ولا وجود لعمل سياسى لا يوجد مقابله ربح سياسى فورى. تاريخ نتنياهو فى مواجهة الخطر الإيرانى معروف.
تشخيص صحيح، لكن العلاج غير موجود.
الترهيب موجود، لكن لا وجود لسياسة. ونتنياهو، على الرغم من تباهيه بالموضوع، فإنه لم يكن أول مَن شخّص المشكلة، بل إن حكومة رابين هى التى وظّفت مجهودا كبيرا، من دون مظاهر هستيرية وخطابات ترهيب من خراب قريب للعالم.
يُسجّل لنتنياهو أنه نجح، إلى حد ما، فى الفترة 2009-2015، فى إقناع دول أساسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأن السلاح النووى الإيرانى ليس مشكلة إسرائيلية.
الآن، لدى إيران كميات غير مسبوقة من اليورانيوم المخصّب (لم يصل بعد إلى 90%، وهى الكمية المطلوبة لتطوير سلاح نووى).
اليوم، إيران دولة على عتبة النووى بكل معنى الكلمة، الأمر الذى يجعل الاشتباك الحالى أكثر خطرا بكثير.
هآرتس
ألون بنكاس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية