من الظواهر الجديدة فى المجتمع المصرى، أن المواطن لا يتفاجأ بزيادة الأسعار بل ينتظرها ويتساءل عن سبب تأخيرها، فبعد أن كانت الحكومات تنفى حدوث أى زيادة فى الأسعار ثم تفاجئ المواطنين بالزيادة مع التبرير باضطرارها لذلك، أصبحت الدولة حاليا تعلن عن الجدول الزمنى لزيادة الأسعار من خلال تخفيض الدعم وأنها بصدد إلغاء الدعم على الكهرباء والمواد البترولية وما يستتبع ذلك من زيادات لكل الأسعار، فالدولة هى التى تقود وتبدأ الزيادات السنوية للأسعار، وانتهت مقولات الضرب بيد من حديد على من يزيد فى الأسعار.
ونجحت الدولة بأجهزتها فى ترويض المواطنين على تقبل هذه الزيادات، ومن يتابع ما حدث فى الأسابيع الماضية بعد إعلان الزيادة فى أسعار الكهرباء، يجد أن الغالبية كانت تنتظر الزيادة فى أسعار البنزين بل اضطرت الحكومة لإصدار بيان ينفى التوقيت الذى يتداوله المواطنون لزيادة سعر البنزين ثم فاجأتهم بزيادة أسعار تذاكر المترو ثم شكرتهم على تقبل هذه الزيادة وأنه لم يحدث ما يعكر رتابة الحياة كما حدث فى الزيادة السابقة لأسعار التذاكر حيث امتلأت المحطات وقتها بمن يرفضون دفع الأسعار الجديدة، وأصبح كل ما يفعله المواطن هو المشاركة فى حملة من إطلاق النكات على هذه الزيادات ثم ننسى ما حدث ونحاول التأقلم مع الزيادات الجديدة فى انتظار زيادات أخرى لتتكرر نفس المشاهد.
ولقد صاحب انتظار الزيادات فى الأسعار، الإعلانات المتكررة عن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى وزيادة معدل النمو ونقص البطالة وزيادة الرصيد من العملات الأجنبية وانخفاض سعر الدولار، وهو ما يجعل المواطن يتمنى ليس تحسن الأحوال بل مجرد التوقف عن المزيد من تدهور مستوى المعيشة من خلال السيطرة على الأسعار.
وبالتالى يصبح السؤال متى تتوقف الزيادة السنوية للأسعار الحكومية والتى تقود لزيادة شاملة فى أسعار السلع والخدمات، وهو ما سوف نتحدث عنه فيما يلى:
أولا.. الكهرباء
أعلنت الحكومة فى عام 2014 عن خطتها لإلغاء الدعم على الكهرباء خلال خمس سنوات تنتهى فى 2019، ثم مع زيادة التكاليف وخاصة بعد تخفيض سعر الجنيه فى 2016 أعلنت الحكومة عن زيادة فترة دعم الكهرباء إلى عام 2022 حيث ينتهى الدعم من ميزانية الدولة، ويكون دعما تبادليا من الطبقات القادرة إلى محدودى الدخل، ولكن عند إعلان وزير الكهرباء عن زيادة أسعار الكهرباء بداية من يوليو 2019 أعلن أن الدعم ما زال مستمرا للكهرباء، حيث إن تكلفة الغاز الطبيعى على الدولة تزيد على 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، وتحصل عليه محطات الكهرباء بسعر 3 دولارات، وتصل قيمة الوقود الذى تحصل عليه الكهرباء 80 مليار جنيه، منها 66 مليار جنيه قيمة الغاز الطبيعى، وإذا أضفنا لذلك الديون التى تتحملها وزارة الكهرباء نتيجة الإنشاءات الجديدة، فنجد أن التكاليف تزداد مما سيؤدى إلى الاستمرار فى الزيادة السنوية لأسعار الكهرباء إلى ما بعد 2022، وفاجأت الحكومة مواطنيها بأنها بصدد دراسة بيع محطات الكهرباء التى أنشأتها حديثا إلى شركات دولية وذلك لخفض الديون الحكومية وأنها ستقوم بشراء الكهرباء المولدة من هذه المحطات وتعيد بيعها لمواطنيها، وبالطبع عند حدوث ذلك فإن هذه الشركات ستبيع الكهرباء بأسعار تتضمن الربح الذى تحدده وبالتالى سترتفع أسعار الكهرباء أكثر مما كانت تتكلفه الحكومة، وفى النهاية على المستهلك تحمل هذه الزيادات لأن الدولة لا يمكنها تحمل الدعم الذى يرهق الموازنة.
ثانيا.. المياه
فى يونيو 2018 أعلنت الحكومة عن زيادة أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحى بنسب تصل إلى 46.5%، وشمل القرار زيادة نسبتها 12% فى رسوم الصرف الصحى، وكانت الحكومة قد رفعت أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحى نحو 50% فى أغسطس 2017، ومع الزيادة فى أسعار الكهرباء والمحروقات ستستمر الزيادة السنوية مع ملاحظة أن غالبية العقارات يوجد بها عداد واحد لكل العقار وهو ما يؤدى إلى مشاكل فى حساب تكلفة الاستهلاك، كما قامت شركة المياه باستحداث تحصيل مبالغ غير الاستهلاك تحت مسمى دعم الشبكة حيث فرضت غرامات على كل العمارات التى خالفت رخصة البناء، على الرغم من مرور عشرات السنوات على هذه المخالفات وقيام الملاك الأصليين ببيع كل الشقق، وهذه الغرامات الجديدة يتم تقديرها بعدة آلاف من الجنيهات وتضاف إليها فوائد التأخير، وعلى المستهلكين الدفع أو قطع المياه.
ثالثا.. أسعار مواد الوقود
مع بداية 2019 بدأت الحكومة فى تطبيق نظام جديد لتسعير المواد البترولية تحت مسمى آلية التسعير التلقائى للمواد البترولية، وتقوم هذه الآلية على وضع معادلة سعرية تشمل أسعار البترول العالمية وسعر صرف الجنيه أمام الدولار وحصة الواردات فى الوقود المستهلك بالسوق المحلية بالإضافة إلى أعباء التشغيل بحيث تسمح هذه الآلية بارتفاع وانخفاض سعر المنتج بحسب التغير فى عناصر التكلفة، فإذا ارتفع سعر البترول يرتفع سعر الوقود وإذا انخفض البترول ينخفض سعر الوقود، والمشكلة تكمن فى أننا فى مجتمع لا تنخفض فيه الأسعار بعد زيادتها، فمن الممكن أن تقوم الحكومة بخفض سعر البنزين إذا انخفض سعره عالميا ولكن المشكلة أن أسعار السلع والخدمات التى زادت عند ارتفاع السعر لن تعود للانخفاض، لأنه مع كل ارتفاع فى أسعار المواد البترولية والكهرباء ترتفع أسعار كل السلع والخدمات، ولا يوجد نظام يضمن أن يقوم المنتجون بخفض الأسعار عند انخفاض أسعار البترول، ولعلنا نتذكر أن الحكومة كانت قد أصدرت قرارا بأن يضع التاجر سعر الاستيراد على السلعة وهامش الربح ولم تستطع الحكومة تنفيذ القرار.
وهكذا سنظل لسنوات فى انتظار وترقب زيادة الأسعار الحكومية التى ستجر ورائها ارتفاع باقى السلع والخدمات، وقد يرى البعض أنه لا توجد مشكلة فى ذلك ما دام المواطنون يستسلمون لذلك، ولكن المشكلة التى تنخر فى هيكل الاقتصاد ذلك الخلل فى هيكل الأجور والأسعار وتفشى الفساد، وأن الأحوال ستتحسن عام 2030 حيث سنصبح من أفضل الاقتصادات، على الرغم من أن كل التجارب الناجحة تؤكد أن الأحوال لن تتحسن بالشعارات ولا بالأحلام.