فى المنصورة ضحيتان، وليست ضحية واحدة، هناك جانٍ ومجنىٌّ عليها، وكلاهما ضحايا فى نظر المجتمع، وإن كان لكل منهما بالتأكيد وضع مختلف تماما أمام القانون.
عجت وسائل التواصل الاجتماعى خلال الساعات الماضية بأحاديث الحزن، والشجن، والتحسر على حال المجتمع الذى شهد جريمة قتل طالبة المنصورة «نيرة أشرف» بطريقة بشعة، على باب الجامعة، على يد زميل جامعى لم تشأ الارتباط به. نعرف قصصا، فى السابق، عن شباب انتحروا لأنهم فشلوا فى الزواج بمن أحبوا، لكن جديد المجتمع أن يظهر من يقتل من يحبها لأنها لا ترغب فى الارتباط به.
تشير مشاهدات كثيرة إلى أن المجتمع ينزلق بقوة فى دوامة العنف، منها كثرة المشاجرات فى الطريق العام لأتفه الأسباب، واستسهال استخدام الأسلحة البيضاء فى خلافات عادية، والاعتداء على الآخرين دون سبب واضح، أو نتيجة أسباب اجتماعية أو شخصية دفينة غير مفهومة. هذا عن العنف البدنى، ناهيك عن ترسانة العنف اللفظى، والبذاءة قولا وفعلا على كافة المستويات، والتى لا تخلو منها تسجيلات مسربة يسمعها الملايين.
هناك أسباب عديدة لتفشى العنف، وعندما نبحر فى عالم الأسباب، فكل ما يحدث حولنا يصلح سببا قريبا أو بعيدا لذلك عملا بالخطاب السائد الذى يفسر كل شىء بتردى التعليم، وتفشى العنف فى الإعلام والأعمال الدرامية، وغياب التدين السليم، إلى آخر هذه القائمة التى يجرى استدعاؤها فى كل نكبة اجتماعية. وقد يكون فى ذلك بعض الحقيقة، ولكنى أظن أن السبب الأكبر هو التوتر النفسى الذى صار ملازما للمصريين.
توتر فى العلاقات الاجتماعية، وانتشار ثقافة النميمة، والتدخل فى الخصوصيات، والغضب الشديد الذى يصل إلى إساءات بالغة بين الأقرباء والأصدقاء والجيران، انعكاسا لحالة من السخونة الداخلية التى لا تهدأ.
وهناك توتر اقتصادى اجتماعى نتيجة ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات، والشعور بأن الظروف العامة الضاغطة لا تسمح بتكوين أسرة أو تحقيق الاحلام، فى مجتمع لا يوجد فيه سند مادى لتلبية الاحتياجات العاطفية.
وهناك توتر ناتج عن التحولات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، وكل ما يحيط بالشخص ينضح بالتوتر سواء فى المواصلات العامة، أو الشارع، أو مكان العمل، أو علاقات الزمالة، الخ.
الشاب الذى استل سكينا وأزهق روح زميلته، والتى يحبها، هو تعبير عن التوتر النفسى الذى يعيشه أبناء جيله، هو ضحية من هذا المنطلق، رغم أنه مذنب وقاتل وجانى. بالطبع ليس كل أقرانه لديهم الدافع والرغبة فى ارتكاب جريمة بشعة مثل القتل، لكنهم يعيشون حالة من الارتباك الداخلى تعبر عن نفسها فى صور ومظاهر شتى.
إذا أراد المجتمع أن ينجو بنفسه من ثقافة عنف تجتاح جوانبه عليه أن يعرف كيف ينتشل أبنائه من التوتر النفسى، ولا يعنى ذلك بالضرورة تلبية كل الاحتياجات، ولكن مساعدتهم على تكوين اتجاهات جديدة فى الحياة سواء من خلال مؤسسات التعليم، والمجتمع المدنى، والإعلام، والأسرة، والمؤسسات الدينية، ويدركون معنى الحياة، والإنسانية، والعيش فى مجتمع طبيعى. ولكن للأسف أن مؤسسات التنشئة نفسها، على اختلاف صورها، صارت مسارح متنقلة للعنف! فهل نستغرب شخصا يقتل من يدعى أنها محبوبته؟