يتحدث أساتذة جامعة مصرية كبرى عن رسالة نصية تصلهم عبر المجموعات البريدية فى تطبيق (واتس آب) خلال فترة الامتحانات تدعو للتبرع لأسرة أستاذ جامعى فاضل توفاه الله بعد إصابته بـ (كورونا).
ولا جديد فى هذا السلوك التكافلى الذى كاد أن يكون تقليدا فى مصر خلال السنوات الأخيرة إما نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية لبعض الفئات التى كانت (مستورة) وإما كمظهر من مظاهر الدعم والمساندة التى أبرزتها مواقع التواصل الاجتماعى.
لكن المثير والجديد أن الحال تدهور بالأساتذة الجامعيين إلى الدرجة التى تستدعى وقفة أمام هذا الواقع القاسى الذى وصلنا إليه.
ورغم التحسينات التى طرأت على مرتبات أساتذة الجامعات خلال الخمس سنوات الأخيرة إلا أنها لا تزال ضئيلة قياسا إلى المهام الموكلة إليهم.
ففى بلد مثل مصر لا يزال التعليم العالى هو أوضح صور الترقى والصعود الاجتماعى وتعزيز آمال عائلات كثيرة فى تحسن الأحوال لذلك تتزايد فى كل عام أعداد الطلاب داخل المدرجات ويجرى فى المقابل التوسع فى العمل بنظام الساعات المعتمدة لدى بعض الجامعات لتوفير تمويل إضافى؛ حيث يسدد طلاب هذا النظام مبالغ مالية قريبة مما يسدد فى التعليم الخاص للحصول على درجة أعلى من الجودة ورغم أن هذا يعزز صور التمييز الطبقى إلا أنه بات واقعا يصعب تغييره، لأنه إجراء يحسن دخل الأستاذ وفى المقابل يضعه تحت ضغوط أكبر طوال العام فى إعداد الجداول والمحاضرات.
وعلى أية حال ليس هذا هو موضوع المقال لأن ما يشغل هؤلاء الأساتذة الآن ليس تأدية الواجب التكافلى تجاه زميلهم الراحل فهذا الأمر مفروغ منه لكن ما يقلقهم بالفعل يتعلق بأوضاعهم فى ظل كورونا التى فرضت تحديات على جميع مؤسساتنا التعليمية، ويؤدى هؤلاء الأساتذة حاليا واجبهم فى إعداد ومراقبة لجان الامتحانات ويعملون تحت ضغط الخوف من العدوى، رغم أن أغلبهم قاوم إجراء الامتحانات بصورتها التقليدية وسعوا لتقديم بدائل مماثلة لما تم تطبيقه فى بعض الحالات إلا أن الدولة رأت أن عدم إجراء الامتحانات يهدر نظام تكافؤ الفرص فى سنوات التخرج وأصرت على إجرائها واضطر الأساتذة للعمل ولديهم الكثير من الشكوك حول كفاءة أنظمة الحماية وإجراءات الوقاية المتبعة، وبالتالى فهم معرضون أكثر من أى وقت للمخاطر ما يجعلهم يتساءلون عن الكيفية التى أنفقت بها الأموال التى خصصتها الدولة للجامعات لمواجهة (كورونا) فقد تحدث المسئولون عن مبالغ مالية كبيرة تم تخصيصها لهذا الغرض لكن لا أحد يعرف كيف تم إنفاقها؟
ولا يمكن القبول بأكذوبة إنفاقها على أنظمة التعليم عبر شبكة الإنترنت لأن كل هؤلاء الأساتذة قاموا بالتدريس من بيوتهم باستعمال شبكات إنترنت وأجهزة كومبيوتر خاصة دون الحصول على أى دعم أو امتياز سواء من وزارة الاتصالات أو وزارة التعليم العالى لزيادة سرعة الإنترنت أو ضمانة بنية تحتية تكون قادرة على الاستجابة لهذا التحدى الجديد.
وهناك أسئلة أخرى يطرحها هؤلاء الأساتذة عن الآلية التى تعمل بها صناديق الطوارئ والزمالة والتكافل التى تمتص شهريا مبالغ رهيبة من مرتبات أغلب العاملين فى الدولة دون أن تؤدى أدوارها فى إعانتهم وإعانة ذويهم عند الحاجة إليها بدليل رسالة التبرع التى وصلتهم وجعلتهم يشعرون بالمهانة ففى الماضى كانت هذه الرسائل تخصص لدعم (عمالة الخدمات المعاونة) التى تعيش واقعا اجتماعيا مأزوما وتنشط للتحايل عليه الإكراميات والبقشيش.
ويتساءل هؤلاء الأساتذة: ماذا لو تعرض أحدهم لنفس المصير؟ هل ستجد أسرته دعما ماليا يعينها على استكمال مسيرة الحياة أم سيضطر أفرادها لانتظار الإعانات والتبرعات؟ وإذا كتب الله لهم أعمارا أطول هل سيجدون معاشات لائقة تعينهم على تحمل صعوبات الحياة؟
وفى أغلب المؤسسات الحكومية ينتظر المحال لدرجة المعاش مدة تقترب من عام وربما أكثر حتى يتمكن من صرف مستحقاته التأمينية لأن أغلب المؤسسات لم تعد توفى بالتزاماتها تجاه العاملين وتضطر لترحيل مخصصات التأمينات واستثمارها فى مجالات أخرى بغرض الاستفادة من أرباحها وهذا ما نسمع عنه أو نقرأه.
وحتى فى حال سرعة صرف المكافأة فعلينا أن نعرف أن معاش الأستاذ الجامعى لا يزيد عن ٢٥٠٠ جنيه بعد سنوات خدمة تتجاوز الـ ٣٥ عاما أليست هذه مأساة تحتاج إلى حلول عاجلة لكى لا تفقد الجامعة كرامتها؟!