هناك اهتمام متصاعد بالعلاقة بين الزراعة والتنمية. والسبب بديهى أن المجتمعات الزراعية تشكل العمود الفقرى فى التنمية من حيث كونها مصدرا مهما للغذاء بشتى صوره، والصناعة، والتجارة. التنمية الحقيقية تبدأ من الريف، الذى ينبغى أن يعود منتجا مثلما كان الحال، ليس لإسعاد المدينة، ولكن فى المقام الأول حتى يمثل فى ذاته مجتمعات ممكنة، قادرة على الاستمرار والعطاء.
فى ميلانو عقد لقاء ضم دول شمال وجنوب البحر المتوسط للتباحث حول هذا الموضوع المهم، وقدمت فيه مداخلات كثيرة، انصبت على أهمية أن يصبح المجتمع الريفى قادرا، ومنتجا، من حيث الإنتاج، واستيعاب السكان، وتوفير لهم سبل العيش، وانتزاع فكرة الهجرة من اذهانهم سواء للمدن أو دول أخرى، مما يسبب خلالا فى التركيبة السكانية للريف.
قضايا مثل الحكم الرشيد، المشاركة، وتغير المناخ، وتوفير البيئة التشريعية التى تساعد على التنمية، والعلاقات الفلاحية، الخ، جميعها من القضايا التى نوقشت فى هذا اللقاء المهم، والذى بدا فيه بالطبع تباين الخبرات بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط، وبالرغم من ذلك يمكن التوقف أمام عدد من الدروس المستفادة الأساسية:
< المجتمع الزراعى ينبغى أن يمكّن، ويعنى ذلك أن تتوافر به سبل العيش لكل أفراده، مما يستلزم أن يكون هناك إلى جوار النشاط الزراعى صناعة وتجارة وخدمات، مما يستلزم تغيير الصورة النمطية عن الريف الذى يصور دائما على أنه مرتع للفقر، نشأ، ويعيش لتقديم الغذاء لإسعاد أهل المدن المرفهين.
< الفائض البشرى فى الريف، خصوصا من الشباب، ينبغى أن يجد فرصا أفضل للحياة، ولا يضطر للجوء إلى العمل خارج مجتمعه المحلى، أو الهجرة خارج وطنه سواء بصورة شرعية أو غير شرعية، يقتضى ذلك العمل على توفير اقتصاد يستوعب هؤلاء الشباب. وكما أن هناك مجتمعات فى أوروبا تعانى من نقص الأيدى العاملة الشابة فى الريف، فإن هناك مجتمعات ــ جنوب المتوسط ــ لديها وفرة، تفيض عن حاجة مجتمعاتها الريفية التى لا تزال محدودة اقتصاديا مما يستدعى استيعابها عن طريق التوسع الاقتصادى.
• الهندسة القانونية والسياسية مهمة فى دفع عجلة التنمية فى الريف. فى مقدمتها الأخذ بمبادئ الحكم الرشيد (المساءلة، الشفافية، المشاركة، حكم القانون)، وتوفير مجتمعات محلية قادرة على العمل، من حيث الحرية والاستقلالية واللامركزية الجادة والمشاركة الواسعة من جانب المواطنين، هنا يبدو الحديث عن الإطار التشريعى مهما فى تفعيل العمل الإنتاجى، وتقديم تسهيلات له.
قضايا كثيرة مهمة نوقشت، ظهرت فيها خبرات متعددة، وهو ما يلفت الانتباه إلى أن المجتمع لا يزال بحاجة إلى نقاش ممتد حول التنمية، يختلف عن نمط النقاشات السائد حاليا، لا يغفل الظروف المحلية، ولا يدير ظهره كذلك إلى الخبرات الإقليمية والدولية المهمة فى هذا المجال.