خيارات أوروبا بعد الانقطاع الوشيك للغاز الروسى عبر أوكرانيا - قضايا اقتصادية - بوابة الشروق
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 7:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خيارات أوروبا بعد الانقطاع الوشيك للغاز الروسى عبر أوكرانيا

نشر فى : الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 6:50 م

قررت الحكومة الأوكرانية عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز المبرمة مع روسيا، ومن المقرر انتهاؤها فى 31 ديسمبر المقبل. فى ضوء ذلك، نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالًا للكاتب إبراهيم الغيطانى، تناول فيه الأطراف الرابحة والخاسرة من هذه الخطوة، كما تطرق للخيارات المتاحة أمام الدول الغربية لتعويض الغاز الروسى.. نعرض من المقال ما يلى:

 

 

تترقب أسواق الطاقة العالمية التوقف المُحتمل لآخر نقطة اتصال رئيسية بين شبكتى الغاز الروسية والأوروبية بحلول ديسمبر 2024؛ إذ من المقرر أن يتوقف ضخ الغاز الروسى عبر الأراضى الأوكرانية، بعد قرار كييف بعدم تجديد اتفاقية نقل الغاز المُوقعة مع موسكو عام 2019؛ ومن شأن توقف هذا المسار أن يؤدى إلى حالة من عدم اليقين، بشكل مؤقت، فى سوق الغاز الأوروبية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء؛ إذ يصل الطلب على الخام إلى ذروته؛ ومع ذلك، لن تكون التقلبات المُحتملة لأسعار الغاز فى أوائل عام 2025، عند ذروتها، كما كان عليه الحال عقب تعليق إمدادات خطى أنابيب «يامال» و«نورد ستريم-1».
فقد تبنت الدول الأوروبية تدابير تعويضية لانقطاع معظم الإمدادات الروسية من الغاز بأسواق الاستهلاك الأوروبية الرئيسية، وتضمن ذلك الحصول على إمدادات إضافية من الغاز المُسال من موردين بالشرق الأوسط والولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع استيراد شحنات إضافية من الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب عبر النرويج ومنطقة شمال إفريقيا. وبالمثل، تدرس دول وسط وشرق أوروبا عدة خيارات متاحة لتعزيز استقرار الطاقة لديها، بعد توقف تدفقات الغاز الروسى عبر أوكرانيا، من بينها استخدام شبكة الغاز الأوروبية ومحطات استيراد الغاز المُسال بالدول المجاورة للحصول على إمدادات إضافية من الخام؛ بل حتى إن بعض الدول مثل المجر تُرحب باستقبال تدفقات إضافية من الغاز الروسى، لكن هذه المرة عبر خط أنابيب «ترك ستريم».
• • •
أنهت كييف، بشكل رسمى، الجدل الدائر حول تجديد عقد نقل الغاز الروسى عبر خط أنابيب «يورنجوى - بومارى - أوزجورود»، إذ أبلغت الحكومة الأوكرانية يوم 7 أكتوبر الجارى نظيرتها السلوفاكية - وهى نقطة عبور رئيسية للغاز الروسى إلى أسواق وسط وشرق أوروبا - أنها لن تمدد اتفاقية نقل الغاز الروسى عبر الأراضى الأوكرانية، والمُقرر انتهاؤها بحلول 31 ديسمبر من هذا العام.
ولعل دافع كييف من وراء إنهاء هذه العلاقة الممتدة مع موسكو منذ خمس سنوات، واضح للعيان؛ إذ ترغب فى إنهاء النفوذ الروسى، وفك ارتباطها التجارى والاقتصادى مع موسكو بعد الحرب. ولعل هذا ما يتماشى فى الوقت نفسه مع هدف الاتحاد الأوروبى بتحقيق الاستقلال التام عن مصادر الطاقة الروسية بحلول عام 2027.
ويُعد خط الأنابيب الرابط بين أوكرانيا وروسيا آخر نقاط الاتصال الرئيسية بين شبكتى الغاز الروسية ونظيرتها الأوروبية، وذلك بعد أن تم إغلاق معظم مسارات الغاز الروسية الأخرى بما فى ذلك خطا أنابيب «يامال - أوروبا» عبر بيلاروسيا، و«نورد ستريم-1» تحت بحر البلطيق فى العامين الماضيين. وتُمثل تدفقات الغاز الروسى عبر خط أنابيب «يورنجوى - بومارى - أوزجورود»، أهمية لأمن الطاقة واستقرار سوق الغاز بمنطقة وسط وشرق أوروبا.
وقد بلغ إجمالى إمدادات الغاز الروسى للقارة الأوروبية عبر أوكرانيا نحو 15.5 مليار متر مكعب عام 2023، ما يشكل 3% فقط من إجمالى واردات القارة من الغاز (سواء المنقول عبر خطوط الأنابيب أم الغاز المُسال). وبالرغم من ضآلة هذه الحصة بالنسبة لأوروبا، لا تزال أسواق مثل: سلوفاكيا والنمسا ومولدوفا تعتمد بدرجة أكبر على الغاز الروسى، وتتفاوت النسبة ما بين 80 و100% من إجمالى واردات الغاز.
• • •
تنظر أسواق الطاقة بترقب للانقطاع الوشيك لتدفقات الغاز الروسى عبر أوكرانيا، ولكنها ترى هذه المرة أن خطر نقص إمدادات الغاز داخل القارة أقل حدة مما كان عليه الوضع بعد تعليق مسارات الغاز الأخرى فى العامين الماضيين؛ إذ استطاعت معظم الدول الأوروبية إيجاد بدائل كافية لواردات الغاز الروسي؛ ومع ذلك، صدرت تحذيرات من وكالة الطاقة الدولية من أن وقف ضخ الغاز الروسى عبر أوكرانيا يمثل «حالة عدم يقين رئيسية» لمنطقة وسط وشرق أوروبا هذا الشتاء، حينما يبلغ الطلب على الخام ذروته.
ويتمثل الخطر الأساسى فى أن يضغط توقف إمدادات الغاز بين روسيا وأوكرانيا، على التوازن الهش لسوق الخام داخل القارة الأوروبية؛ الأمر الذى قد ينجم عنه ارتفاع قصير الأمد فى تداولات أسعار الخام بالبورصات السلعية الأوروبية والعالمية فى أوائل عام 2025. وعلى الرغم من هذه الأضرار التى يُضاف إليها احتمالية خسارة أوكرانيا رسوم عبور للغاز الروسى قدرها مليار دولار تقريبًا، ينظر الاتحاد الأوروبى - إلى جانب كييف - لهذه الخطوة باعتبارها انتصارًا رمزيًا على موسكو، بعد أن اقتربت القارة من هدفها بالتخلى نهائيًا عن الغاز الروسى المنقول عبر خطوط الأنابيب.
أما بالنسبة لروسيا، فمع خسارة آخر أسواق تصدير الغاز الرئيسية بأوروبا، ستفقد موسكو وشركة "غاز بروم" إيرادات مالية تتراوح بين 4 إلى 4.5 مليار دولار سنويًا؛ وذلك من شأنه أن يُفاقم أوضاع الشركة المتأزمة بالأصل؛ إذ تكبدت خسائر صافية لأول مرة فى عقدين بنحو 6.9 مليار دولار تقريبًا عام 2023. بيد أن روسيا تبحث عن خيارات أخرى لتصدير الغاز والغاز المُسال بدلًا من أوروبا، وتأتى آسيا وتحديدًا الصين فى مقدمة الأسواق المُستهدفة، وإن نجحت موسكو فى ذلك، فسيجعلها تتلافى هذه الخسائر المالية فى الأمد الطويل.
• • •
تبنت الدول الأوروبية تدابير تعويضية لتوقف تدفق الغاز الروسى فى العامين الماضيين، وتضمن ذلك استيراد شحنات إضافية من الغاز المُسال من الولايات المتحدة وبعض دول الشرق الأوسط وإفريقيا، بموجب عقود قصيرة ومتوسط الأجل، بالإضافة إلى استيراد كميات إضافية من الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب عبر النرويج ومنطقة شمال إفريقيا.
وهناك خيارات مماثلة متاحة أمام منطقة وسط وشرق أوروبا لتعويض الغاز الروسى، لعل من أهمها الإمكانات المتاحة لتزويد أسواقها بشحنات تعويضية من الغاز والغاز المُسال عبر محطات الاستيراد بالدول المجاورة، أو شبكة الغاز الأوروبية، أو البنية التحتية لمشروع "الممر العمودي" الذى يهدف إلى ربط وتسهيل نقل الغاز بين سبع دول أوروبية؛ وهي: اليونان وبلغاريا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا ومولدوفا وأوكرانيا.
كذلك تُرحب بعض الدول الأوروبية الصديقة لموسكو مثل المجر، باستقبال تدفقات إضافية من الغاز عبر مسار نقل آخر، وهو البنية التحتية لخط أنابيب «ترك ستريم»، الذى يربط روسيا بتركيا ويمتد إلى بلغاريا وصربيا والمجر. بخلاف هذا المسار، طُرحت للنقاش، من قِبل أطراف أوروبية، فى الأشهر الماضية، إمكانية إعادة استخدام شبكة الغاز الأوكرانية لاستقبال تدفقات الغاز من أذربيجان. وإلى الآن، لم تتضح كيفية عمل المسار الأوكرانى من أجل الوفاء بهذا الغرض؛ ومن ثم ليس بالإمكان تحديد جدواه الفنية والمالية بالوقت الحاضر.
ويكشف الاستعراض السابق عن خيارين متاحين أمام دول وسط وشرق أوروبا، بعد توقف شبكة أنابيب الغاز الأوكرانية؛ الأول يتعلق بالتخلى تمامًا عن الغاز الروسى، مع إمكانية الاستفادة من شبكة الغاز الأوروبية القائمة لتلبية احتياجات أسواقها من الخام. فيما يتمثل الخيار الثانى فى الحصول على تدفقات إضافية من الغاز الروسى عبر مسارات نقل أخرى. وتُدرك الحكومات الأوروبية مدى الضرر الذى سيلحق بها؛ إذا ما توقفت إمدادات الغاز الروسى عبر أوكرانيا، دون إيجاد البدائل الحاضرة والكافية؛ ومن ثم فهى تبحث عن سد الفجوة المُحتملة بمعروض الغاز، بانتقاء آليات التوريد الملائمة لها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، على حد سواء.
• • •
فى بدايات الحرب الأوكرانية، رفضت الحكومة النمساوية رفضًا قاطعًا تطبيق أى حظر أوروبى على الغاز الروسى، مبررة ذلك بأن هذه الخطوة ستضر بشدة الاقتصاد النمساوى، الذى خرج لتوه من تبعات جائحة كورونا. وتلافيًا لأن يتحمل اقتصادها أية أضرار جانبية، استمرت النمسا فى تلقى تدفقات الغاز الروسى دون انقطاع فى عامى 2022 و2023، وبمعدلات قياسية بلغت 3.2 مليار متر مكعب العام الماضي؛ ما شكّل ما يزيد عن 80% من واردات البلاد من الغاز فى نفس العام.
بيد أنه مع تزايد ضغوط الاتحاد الأوروبى على أعضائه للتخلص من واردات الطاقة الروسية، والصعوبات القانونية أمام تسوية المعاملات المالية بين دول الاتحاد وموسكو؛ رأت الحكومة النمساوية ووكالة الطاقة المحلية أنه من المناسب الاستعداد لإنهاء واردات الغاز الروسى وإلغاء عقد التوريد المُوقع مع «غازبروم» فى أقرب فرصة ممكنة. وأعلنت شركة أو إم فى النمساوية، فى شهر مايو الماضى، استعدادها للتخلى عن إمدادات الغاز الروسى فى المستقبل القريب.
ويبدو السؤال الجوهرى، هل النمسا على درجة كافية من الاستعداد للتخلى عن الغاز الروسى قريبا؟ هنا يكشف خطاب الحكومة النمساوية أن بمقدورها تجاوز المرحلة التالية لإنهاء اتفاقية نقل الغاز الروسى عبر أوكرانيا؛ إذ إن لديها خيارات عديدة لاستبدال الغاز الروسى، سواء من خلال الحصول على شحنات إضافية من الغاز المُسال، أم استيراد الغاز عبر شبكة الغاز المجاورة (خاصةً من النرويج وإيطاليا وألمانيا). يضاف إلى ذلك، أن لدى النمسا مخزونا كبيرا من الغاز، نسبته 93.5% حتى أكتوبر الجارى (ما يعادل 9500 تيراوات فى الساعة)؛ ومن ثم يمكن تلبية أى نقص مُحتمل فى إمدادات الغاز لأشهر متواصلة، حتى وإن لم تتلق إمدادات إضافية من إيطاليا أو ألمانيا.
وفى الحقيقة، تمتلك شركة أو إم فى النمساوية، أكبر شركة طاقة فى البلاد، قدرات لوجستية كبيرة وعلاقات تجارية ممتدة مع موردى الطاقة حول العالم، بما سيُسهل مهمة الحكومة النمساوية فى الحصول على الغاز من النرويج والسوق العالمية، مع إمكانية استيراد شحنات الغاز الطبيعى المُسال عبر محطة (GATE) فى روتردام، حيث تمتلك الشركة هناك سعة لإعادة «تغويز» الغاز (Regasification Capacity) بقدرة 3 مليارات متر مكعب سنويًا.
ربما تتخذ الحكومة النمساوية إجراءات إضافية لتعزيز أمن الطاقة بالبلاد؛ وذلك من خلال تبنى تدابير إضافية لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، وترشيد استهلاك الغاز، إلى جانب التوسع فى تطبيقات الطاقة المتجددة بقطاع المنازل والتدفئة. وفى كل الأحوال، لا تعتبر الإجراءات المذكورة سابقًا حلًا دائمًا فيما يتعلق بهدف النمسا لتحقيق الحياد المناخى بحلول عام 2040؛ فهى بحاجة لتطوير خيارات أخرى لتوسيع قدرات الطاقة المتجددة واستيراد الهيدروجين الأخضر، وفق ما تقوله وكالة الطاقة النمساوية.
• • •
ختاما، يمكن القول إن حساسية سوق الغاز الأوروبية لمخاطر انقطاع ضخ الغاز الروسى عبر أوكرانيا، باتت أقل حدة، بخلاف ما كان عليه الأمر خلال العامين الأولين للحرب الأوكرانية (2022 و2023)؛ وذلك بسبب وفرة الإمدادات وتعدد خيارات التوريد؛ ومع ذلك لن يكون هناك مفر أمام الدول الأوروبية من اتباع نهج شامل لتعزيز أمن الطاقة بها، وتقليل انكشافها على سوق الغاز الأوروبية ذات التوازن الهش، وسيتضمن ذلك التوسع فى قدرات الطاقة المتجددة، وتعزيز تدابير كفاءة الطاقة.

النص الأصلي:
https://bitly.cx/WjKt2c

قضايا اقتصادية القضايا الاقتصادية العالمية والدولية والمحلية
التعليقات