فى أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التى أطلقتها الأمم المتحدة عام 2015، تأتى مواجهة التهميش فى قلبها، فى الهدف العاشر، حيث تتحطم كل جهود التنمية على صخرة التهميش. هذه هى خبرة الحياة. من هنا فإن مواجهة التهميش، وتمكين الناس، واخراجهم من دائرة الظل إلى نور المشاركة هو هدف التنمية الأساسى، وبدونه نكون نبنى حجرا دون بشر. وأظن أن الدولة واعية لذلك، وتعبر مبادرة حياة كريمة، وبرنامج تكافل وكرامة، ومواجهة العشوائيات عن اتجاه إلى اخراج الناس من دائرة التهميش المفرغة. فالمهمشون، يعيشون فى بيئات مهمشة، وينجبون جيلا وأجيالا فى تلك البيئات، وعندما يكبرون يعيشون على هامش المجتمعات، وتظل حلقة التهميش متوالية، إلى أن يتم كسرها، ويخرج جيل إلى النور، ومنه تتوالى الخطوات المتتابعة للخروج من التهميش.
أسوأ شىء فى الحياة أن يكون ناس فى دائرة الضوء، وآخرون مهمشون. قس ذلك على كل المواقع. إذا واجه طفل فى المدرسة التهميش خرج إلى المجتمع محملا بعقد نفسية، ينفث عنها إذا اتيحت له الفرصة، وإذا عاش قطاع من المجتمع يعانى من التهميش تولد لديه حقد تجاه بقية الناس المرفهين، أو الذين يجدون حظوظا أفضل فى الحياة، قس على هذا كل ما يحدث فى الدنيا. عندما تجد شخصا ذا سلطة فى موقع متحكما ومتسلطا، أو فاسدا فظا، فتش فى حياته سوف تجد أنه كان مهمشا ومرفوضا فى وقت من الأوقات، وما يفعله الآن يعبر عن مكنون نفسه الذى لم يتطهر منه.
منذ أيام قرأت مقولة أخرى لشكسبير معبرة، وإن كانت تحتاج إلى تفكير عميق، يقول «إذا تجاهلك شخص فاعلم أنك الأهم لديه». فى مجتمع مضطرب، يتصارع فيه الناس على نصيب من الكعكة، أيا كانت وظيفة، منصب، كرسى، أى شىء، تصبح الإساءة إلى الآخرين إحدى الوسائل المتبعة من أجل تحقيق الذات. ويعزز صراع الأجيال ذلك، فهناك جيل لا يود أن يترك التأثير والنفوذ، وأجيال صاعدة تبحث لها عن مكان، وترفض أن تكون مهمشة. ومن ضمن وسائل الابتزاز فى حرب المواقع والنفوذ هو التجريح، والشائعات، والكذب، وأقلها حدة هو التجاهل. وقد كان شكسبير محقا عند الإشارة إلى هذه الآفة النفسية الخطيرة، التى يلجأ إليها البعض حتى ينال من غيره.
تجاهل شخص لآخر، يعنى أن هناك أمراضا نفسية تتفاعل داخله، فهو يتأثر من الغيرة الشديدة تجاهه، وقد تتحول إلى كراهية له، ورغبة فى التحقير من شأنه، هذه هى آفة العصر، وأسوأ شىء فى الحياة هو التجاهل.
أعتقد أن من ضمن وسائل التربية التى ينبغى أن تكون بالمدارس هو الاتجاهات النفسية الصحيحة عند الأطفال والنشء، حتى ينشأ المجتمع سليما نفسيا، ويدرك قيمة المشاركة والاستيعاب، لأننى أعتقد أن جانبا كبيرا من المشكلات التى نعانى منها نفسية وسلوكية، تظهر، وتضغط على مفاصل المجتمع، خاصة فى ظل تراجع الالتزام بالقانون. والشارع خير مثال على ذلك.