احذر الاستقلال - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احذر الاستقلال

نشر فى : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:20 م

الميديا الغربية وقت الازمات ممتعة حتى فى تحيزها لفريق على حساب آخر. تبهرك بسيل هادر من المعلومات، والتحليلات، التوقعات وسيناريوهات المستقبل، بحيث يشعر المتابع لها بالتفاعل الكثيف مع الحدث، وهو شعور نفتقده فى احداث اخرى قريبة منا، لكن يحيط بها ستار كثيف من التعتيم والصمت.

توقفت أمام تعبير صكته كاترونا كيلى، استاذ الدراسات الروسية الشرفى بجامعة كامبريدج، فى وصفها للحرب الروسية فى اوكرانيا بأن «الاستقلال يعنى عدم الولاء»، وهو فى رأيها يمثل ادراك الرئيس الروسى بوتين للعلاقة التاريخية مع اوكرانيا، الذى يعتبرها روسيا الصغيرة، التى لا يجب أن تستقل. يمثل هذا الرأى تجسيدا لموقف الغرب من أن المشكلة تكمن فى شخص بوتين، وليس غيره، هو الذى أشعل فتيل الحرب، ويجب الضغط عليه بالحفاظ على استقلال أوكرانيا، وحصاره اقتصاديا، ومعاقبة رجاله فى مجال البيزنس، والدخول فى مفاوضات جادة معه، وكلما امتدت الحرب، وزاد عدد الضحايا، وارتفعت الفاتورة الاقتصادية، سوف يتغير الذهن الروسى، ويدب الخلاف على مستوى القيادة العليا هناك، والذى بدأت بوادره تظهر بالفعل حسب كاترونا كيلى.

هذا رأى أستاذة فى الدراسات الروسية، وموقف محللين آخرين أيضا، ولكن بعيدا عن الحرب، والتحليلات المحيطة بها، فإن ما لفت انتباهى هى الصياغة البسيطة المعبرة لمعضلة السياسة، وصراعات القوة والهيمنة، من الشأن الدولى إلى الوضع المحلى وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية بين الناس، وهى «الاستقلال يعنى عدم الولاء».

رغم ان الاستقلال سواء على مستوى الدولة أو الوحدات المكونة لها أو حتى الافراد ذوى الارادة الحرة فى المجتمع يمثل فى ذاته أمرا طبيعيا، بل نتاج التطور العالمى والانسانى، فإن ذلك يعتبر فى ذاته عدم ولاء، طالما ان التبعية باتت هى المرادف للولاء. الأمثلة عديدة. دول لا تستطيع أن تتخذ موقفا مستقلا، والا تعرضت للحصار، وأحيانا الاعتداء. هذه الدول التى تلاحقها التبعية، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، يؤرقها استقلال أى كيان داخلها خاصة المجتمع المدنى، وتعتبر استقلاله عدم ولاء، ويصل الأمر بالفرد أيا كان موقعه من غيره، متى صارت له سلطة عليهم، يتطلع إلى تبعية الآخرين له، ويشعر ان استقلال شخصياتهم أو مواقفهم تعبير عن عدم ولاء، وربما يصفهم بالخيانة حسب المقولة التى راجت فترة من الزمن «من تحزب خان».

ليس بوتين وحده، الذى يرى فى استقلال أوكرانيا مرادفا لعدم الولاء حسب تعبير كاترونا كيلى، فهذه حالة مستقرة فى العقل البشرى المعاصر، يمارسها الغرب ذاته باحتراف ودأب تجاه غيره، ويعاقب من يخرج عن طوعه، ونمارسها نحن شعوب النصف الجنوبى من الارض، وبخاصة فى المنطقة العربية تجاه غيرنا أيا كانوا دولا أو شعوبا أو أفرادا ممن نقوى عليهم بالمال أو السلطة أو حتى الارهاب.

الاستقلال صعب، والتبعية سهلة، وتهمة عدم الولاء تطارد من يعتز بتاريخه، أو كيانه، أو مواقفه. ذكرنى ذلك بكتاب عالم النفس اللبنانى مصطفى حجازى «مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور»، الذى أشار فيه إلى اننا جميعا نمارس القهر تجاه بعضنا بعضا، فنحن ضحايا وجلادون فى نفس الوقت.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات