فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية ٢٠١١، وفى انتخابات ٢٠١١ البرلمانية، وفى الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢، وفى الاستفتاء على دستور ٢٠١٢ كانت الأحزاب والحركات «الليبرالية» و«الديمقراطية» و«المدنية» تنتقد زج جماعة الإخوان (وحزب الحرية والعدالة) والسلفيين بالدين إلى السياسة، وترفض تورطهم فى تزييف وعى الناس بتوظيف الخطاب والرموز والمساحات الدينية (دور العبادة) وحملهم على التصويت بنعم فى الاستفتاءات الدستورية والتصويت لمرشحى اليمين الدينى فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية لكون ذلك هو الاختيار «الصحيح» دينيا.
كانت الأحزاب والحركات «الليبرالية» و«الديمقراطية» و«المدنية» تطالب بضوابط دستورية وقانونية لمنع الخلط بين الدين والسياسة، وللقضاء على التوظيف السياسى والانتخابى للدين، ولمنع استخدام المؤسسات الدينية ودور العبادة فى الدعاية الانتخابية، ولإلزام الإخوان والسلفيين بالترويج لبرامجهم وبالعمل على اجتذاب تأييد الناس دون ثنائيات الحق ـ الباطل والحلال ـ الحرام.
وكان كل ذلك مهما وضروريا لتحرير الدين من السياسة، وللحيلولة دون تديين السياسة ومنافساتها الانتخابية.
واليوم تصمت ذات الأحزاب والحركات «الليبرالية» و«الديمقراطية» و«المدنية» عن الزج المنظم بالدين إلى مشهد الانتخابات الرئاسية القادمة. فيخرج العديد من رجال الدين الإسلامى ومن آباء الكنائس المصرية على الرأى العام بأقوال التأييد لترشح وزير الدفاع السابق وبإعلان دعمه فى الانتخابات الرئاسية، بل ويتطوع البعض منهم بإضفاء المضامين الدينية على هالة البطل المنقذ المحيطة به. وتوظف المؤسسات الدينية الرسمية، الإسلامية والمسيحية، لتبرير السياسات والممارسات الراهنة للحكم ولتمرير المقايضة السلطوية الخبز والأمن والاستقرار قبل الحرية والديمقراطية. وجميع هذا لا يستدعى ولو إشارات قصيرة أو تحذيرات سريعة من قبل أحزاب وحركات اليافطات الليبرالية والديمقراطية والمدنية بشأن خطورة الزج بالدين إلى المشهد الانتخابى.
اليوم أيضا تصمت ذات الأحزاب والحركات عن التوظيف المتكرر للالتزام الدينى/ للتدين الشخصى/ للفكرة الوصائية (دور رئيس الجمهورية القادم فى حماية الدين ومكارم الأخلاق والعادات الحميدة) من قبل المرشح عبدالفتاح السيسى، ولا ترى فى ذلك ما يستدعى إطلاق صفارات الإنذار بشأن احتمالية تديين المساحة العامة والمشاهد السياسية والانتخابية القادمة وبشأن التداعيات الخطيرة الممكنة على الحقوق والحريات والمساواة بين كافة المواطنات والمواطنين.
أما من يدافع باتساق عن ضرورة تحرير الدين من التوظيف السياسى والانتخابى ويرفض الصمت اليوم كما رفض الصمت فى الماضى ولا يميز بين توظيف الدين حين يأتى من أحزاب وحركات كالإخوان والسلفيين أو حين يأتى من مؤسسات دينية رسمية أو من مرشح الدولة، فيقال له فى أفضل الأحوال «أحسن لك أن تصمت» وفى الحالات الأخرى وبعبث شديد «لتصمت يا خلية الإخوان النائمة.. يا عدو الدولة المدنية»!