تحت هذا العنوان دعيت يوم الأربعاء الماضى للمشاركة فى ندوة افتراضية (webinar) نظمها المجلس العربى للمسئولية المجتمعية. الهدف العام من اللقاء كان إلقاء الضوء على مفاهيم وفلسفة وأهمية ملف التحول الرقمى، وتأثيره على جميع الجوانب الاقتصادية والمجتمعية نحو مجتمعات أكثر حداثة وقدرة على النمو، وتوفير حياة كريمة للمواطن وخلق فرص العمل، خاصة للشباب والمرأة والفئات الأكثر احتياجا. تحدّث فى الندوة كل من الدكتور السيد تركى ــ مستشار أول اتحاد الصناعات المصرية ومنظمة العمل الدولية، والمهندس زياد عبدالتواب ــ مساعد أمين عام مجلس الوزراء لنظم المعلومات والتحول الرقمى، والدكتور محمد خليف ــ عضو مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والشيخ يوسف خلاوى ــ أمين عام الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة، وعن وزير الاتصالات الدكتورة هدى دحروج رئيس إدارة مركزية بالوزارة، بالإضافة إلى كاتب هذه السطور. أدار الندوة ببراعة وسلاسة الدكتور نزار سامى عضو مجلس أمناء المجلس العربى، وشارك فيها أمين عام المجلس والأمين المساعد الدكتور محمد عزام.
الندوة كانت زاخرة بالأفكار والمعلومات والإنجازات على صعيد التحول التدريجى الذى تشهده مصر من الترقيم digitization إلى الرقمنة digitalization إلى عملية التحوّل الرقمى digital transformation موضوع اللقاء. مداخلات المتابعين أيضا زادت الندوة ثراءً حيث تنوّعت مشاربهم واهتماماتهم، وكان حرصهم على المشاركة جادًا لا يشوبه أى دخَل. كفى بالبقاء أمام جهاز الحاسب أو الهاتف لمدة تزيد عن ثلاث ساعات للاستماع إلى موضوعات شديدة التخصص شاهدًا على اهتمام لا مراء فيه، وهو أمر قل أن نجده فى المؤتمرات والندوات غير الافتراضية.
***
أول ما لفت انتباهى إلى موضوع الندوة هو أن مفهومى المسئولية المجتمعية والتحوّل الرقمى لم يسلما أبدًا من الالتباس عند الكثيرين، فبين تعريف واسع فضفاض يخلط بين عملية التحوّل الرقمى وكل ما يشتمل على صيغة رقمية للأشياء، وبين تعريف شديد الضيق يجعل عملية التحوّل الرقمى قاصرة على عمليات محددة ذات عائد مجتمعى محدد، هناك مساحة واسعة من المراحل التى يمكن أن تندمج فى ذلك المفهوم. كذلك لطالما التبس مفهوم المسئولية المجتمعية مع جهود الأعمال الخيرية التقليدية. والحق أن المسئولية المجتمعية للمؤسسات تمتد لتشمل جميع الجهود التطوعية التى ترمى إلى تنمية المجتمع المحيط بتلك المؤسسات والمرتبط بها بحيث يساهم فى استدامتها وتحقيق أهدافها.
وقد خلصت الندوة إلى عدد من النتائج والتحديات التى تواجه مصر والعالم فى التعامل مع محددات التحوّل الرقمى، وقد رأيت أن أبرزها ــ خلافا لما يظنه الكثيرون ــ ليس تعثّر عملية التحوّل نتيجة لنقص الوعى وتأخر البنية المعلوماتية.. بل تسارع تلك العملية خاصة تحت وطأة جائحة كورونا بشكل يهدد بشرية المجتمع، ويحوّل الإنسان إلى كائن رقمى افتراضى، لا يتعامل مع الدنيا إلا خلف شاشة إلكترونية.. فهذا الحيوان الاجتماعى أصبح فى غنى عن التواصل مع أقرانه فى مختلف معاملاته... ثروته هى محض بيانات ومعلومات فى حساب مصرفى، أو مدمجة على شريحة فى بطاقة ائتمانية، نقوده رقمية فى المستقبل القريب، اجتماعاته وندواته يقيمها باستخدام برامج للتواصل، عمله يمكن إنجازه افتراضيًا دون حاجة إلى تواجده المادى فى مقر العمل وذلك فى كثير من الشركات والهيئات والمصالح، ومنها ما سمح لجميع موظفيه بالعمل من المنزل خلال العامين القادمين دون حدوث أى أثر يذكر فى كفاءة وجودة الأعمال... هنا تكون المسئولية المجتمعية الأهم بالنسبة للمؤسسات المعنية بعملية التحوّل الرقمى قائمة على ضمان بقاء صفة البشرية فى المجتمع الإنسانى، بعد أن أوشك التحوّل الرقمى أن ينال منها.
***
اهتمام الدولة بالتحوّل الرقمى والمسئولية المجتمعية يأتى ضمن رؤية متكاملة تبنتها وزارة التخطيط منذ سنوات فى سياق إعدادها لرؤية مصر 2030 والتى تأثرت بأهداف التنمية المستدامة التى وضعتها الأمم المتحدة، وحصلت على رعاية مؤسسات أممية ومنها البنك الدولى والاتحاد العالمى للبورصات، وهذا الأخير شرفت سابقًا بانتخابى نائبا لرئيس لجنة الاستدامة به، وكنت ممثلا للبورصة المصرية فى مبادرة استدامة أسواق المال التابعة للأمم المتحدة وشاركت متحدثا فى مؤتمرى COP21 و COP22 كما كنت أترأس إدارة المؤشرات فى البورصة لدى تدشين مؤشر للاستدامة ESG بالاشتراك مع ستاندرد آند بورز وهو المؤشر الأول من نوعه فى المنطقة والثانى عالميا بعد الهند... وقد اتخذت البورصة المصرية آنذاك نموذجًا دوليًا احتذت به البورصات أعضاء الاتحاد. كان على بالتأكيد استعراض تجربتى فى هذا المجال ومناقشتها مع الحضور. وكان لى مع التحول الرقمى حظا من توفيق الله خلال مسيرتى المهنية سواء فى مركز معلومات مجلس الوزراء أو فى البورصة المصرية أو فى قطاع الأعمال العام الذى علمت منذ الوهلة الأولى لدخولى معتركه أن أكبر مشكلاته تكمن فى غياب التشخيص السليم لتلك المشكلات، والذى يؤدى بدوره إلى وضع حلول غير مناسبة. توليت بالإنابة عن شركات قطاع الأعمال القابضة قاطبة مهمة إدارة الملف ووصلت التكلفة حتى الآن ٥٠ مليون دولار فقط لتعميم نظم إدارة الموارد ERP كخطوة مهمة فى طريق التحوّل الرقمى. يشمل نظام إدارة الموارد عددًا من الوظائف الرئيسية هى المشتريات ــ المبيعات ــ الشئون المالية ــ التصنيع ــ الموارد البشرية ــ المخازن.
بدأ المشروع بمراجعة وإعداد أدلة السياسات والإجراءات واختيار الموردين وموردى الخدمات المرتبطة لتنفيذ نظام تخطيط الموارد المؤسسية بالاستعانة بأحد بيوت الخبرة الاستشارية العالمية، وذلك للتطبيق على عدد 61 شركة من شركات وزارة قطاع الأعمال العام منتقاة من أنشطة مختلفة تتضمن 7 شركات قابضة و54 شركة تابعة لها. تم ذلك خلال الفترة منذ بداية المشروع فى أبريل 2019 وحتى يونيو 2020 وقد تم الاستعانة فى مرحلة مراجعة الأدلة بعدد من الخبرات التنظيمية فى الشركة القابضة للصناعات المعدنية وعلى رأسها الأستاذة راندة الشافعى وكان للأستاذ محمد مسعود المستشار بوزارة قطاع الأعمال دور مهم فى تنسيق جميع خطوات المشروع منذ بدايته.
يمر المشروع بخمس مراحل رئيسة وعدد من المراحل الفرعية بداية من التعاقد مع الاستشارى، ثم إعداد أدلة السياسات والإجراءات، لعدد 61 شركة تنتمى إلى 12 قطاعًا إنتاجيًا، ثم اختيار وتقييم والتعاقد مع موردى الخدمات وذلك عبر العديد من الفعاليات وورش العمل، ونحن الآن نمضى فى مرحلة تنفيذ التطبيقات من خلال مقدمى التكنولوجيا وموردى الخدمات والتى بدأت فى 23 فبراير 2020 وتستمر لمدة تتراوح بين 18 و 24 شهرا بحد أقصى، وبالتوازى مع هذه المرحلة يجرى استكمال أعمال المناقصة المحدودة للخدمات Hardware/ Hosting والتى أرسيت مؤخرا على موردين.
تظل خطوة الرقمنة المذكورة محدودة العائد إلى أن يتم بالفعل إجراء التحول الفعلى فى ثقافة تقبّل هذا التغيير، وانتقال الأنظمة المستخدمة من خانة تغيير الأشكال والأنماط إلى خانة تحقيق أهداف لم تكن لتتحقق لولا هذا التحوّل، وزيادة الكفاءة والفاعلية للعمليات والإجراءات بشكل معنوى. كان هذا واحدًا فقط من صور التحوّل التى تم استعراضها فى ندوة المسئولية المجتمعية والتحوّل الرقمى، وقد لفت انتباه مدير الجلسة تحويل جميع الجمعيات العمومية للشركات التابعة والمشتركة للشركة القابضة المعدنية إلى الانعقاد عبر أدوات الربط الافتراضية، ورغب فى توثيق التجربة بأعمال المجلس العربى للمسئولية المجتمعية وتلقى الدكتور النشيط محمد عزّام الأمين العام المساعد الدعوة بكل اهتمام.