يستحق الكاتب الكبير محمد سلماوى تحية كبيرة لأنه بادر فى صحيفة (الأهرام) بالتعليق على بيان مجهول المصدر نشر على صفحات التواصل الاجتماعى أشار إلى أن ٣ من أهم منشآتنا الثقافية قد تتعرض قريبا لخطر الإزالة، الأولى هى دار الكتب التى أنشئت عام ١٨٧٠ على يد على مبارك باشا باسم الكتبخانة، والثانية هى دار الوثائق القومية التى تحوى أغلب ما يتعلق بوثائق تاريخ مصر، وكانت تحمل اسم دار المحفوظات العمومية عام ١٨٢٨، أى إنها تأسست قبل إنشاء مثيلتها فى لندن بعشر سنوات، والمؤسسة الثالثة المهددة هى الهيئة العامة للكتاب التى تعد أكبر دار نشر مصرية والتى رأستها قامات ثقافية كبيرة مثل عبدالعظيم أنيس وسهير القلماوى وصلاح عبدالصبور وعزالدين إسماعيل وسمير سرحان.
كما هو معروف فإن هذه المؤسسات الثلاثة تقع على كورنيش النيل وبعد خطوات من أغلى فندق فى القاهرة، وتوجد فى مبنى واحد مقسم بينها وهذا المبنى ــ بحسب ما تم نشره ــ معرض للإزالة خلال أقل من عامين استجابة لطلب إحدى الهيئات المهمة التى ترغب فى استثمار الأرض.
وصف سلماوى الأمر وهو محق فى ذلك بـ(الكارثة)، ولأنه صحفى مخضرم، فقد أجرى اتصالات مع قيادات بعض هذه المؤسسات لتفنيد الشائعة والتدقيق فيها وتأكد من الجميع أن هذه الهيئات لا تزال تواصل العمل فى مقراتها القديمة ولم تصلها تعليمات تشير إلى احتمالية النقل أو الإزالة.
وعلى الرغم مما انتهى إليه سلماوى فإنه يثير التفاؤل لما تضمنه من إشارات مطمئنة، إلا أن المصرى الحكيم بخبرته التاريخية يقول «اللى اتلسع من الشوربة، ينفخ فى الزبادى» ولأن كل أيامنا (شوربة) فلم يعد أمامنا سوى النفخ فى الزبادى وبالتالى الشك فى جميع ما لدينا من إجابات إلى أن تثبت مصداقيتها.
ونحن نتألم يوميا مما يجرى فى تراث جبانات القاهرة التى تهدم دون تقدير من أحد لقيمتها التاريخية أو المعمارية والجمالية على الرغم من وعود رئيس الوزراء بتشكيل لجان لتقدير قيمة ما تم هدمه والبحث فى خيارات بديلة وبعد أكثر من 3 شهور تواصل الهدم على قدم وساق وتأكدنا أننا فى انتظار جودو وهى مسرحية من مسرحيات العبث التى يشيع فيها الصمت كما هى حالتنا فلم يتم الإعلان عن لجنة واحدة مما سمعنها عنها وبالتالى لم تصدر أى تقارير ولم يعد أمامنا سوى التحديق فى الصور التى تثير الألم وتجعل خوفنا يتضاعف من أن يلقى مبنى هيئات الكتاب والوثائق القومية ودار الكتب نفس المصير، فهو (مطمع كبير) ويثير لعاب جهات وهيئات كثيرة.
ولم يعد أمامنا سوى التساؤل عن مصير المبنى، بل ومطالبة وزيرة الثقافة الدكتور نيفين الكيلانى بإصدار بيان حول مستقبل المؤسسات المهددة بالتشرد وهى التى تحتاج إلى تطوير وليس إلى الهدم.
ولعل ما يجرى يمثل مناسبة للتذكير بأوضاعها المؤسفة فأغلب دوريات دار الكتب لا يمكن استعمالها، لأنها فى حالة يرثى لها وفى حال طلبها لأى غرض بحثى يرد الموظفون بإجابة وحيدة وهى (الدورية تحت الترميم) وإذا حدث وطلب الباحثون أى كتاب فالرد الجاهز هو (الكتاب فى أحرف الرفوف المقفلة) منذ 1997
ونصحيتى للوزيرة إذا أرادت أن تدخل التاريخ فأقترح عليها بعث وإحياء قانون دار الوثائق الضائع فى أضابير مجلس الوزراء منذ سنوات، وبدء العمل مع أعضاء لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب للدفع به وتمريره ومناقشته خلال الدورة البرلمانية المقبلة، أما هيئة الكتاب فهى ليست أحسن حالا وتعمل فى ظروف صعبة ما بين مشكلات المحتوى والتسويق وأسعار الورق.
تحدثت الوزيرة مع الأستاذ سلماوى عن المكاتب الجديدة التى أعدت فى العاصمة الإدارية على أحدث الطرز وقالت إنها المجهزة بأحدث التقنيات استعدادا للاستغناء تماما عن التعامل بالورق، وهذا جميل لكن هل لديها تصور عن مستقبل دار الوثائق ودار الكتب وأسألها: هل تم التفكير فى عملية رقمنة حقيقية لمحتويات دار الكتب والوثائق القومية بحيث تصبح مصانة ومتاحة فى نفس الوقت؟ هل تم تدريب موظفيها على التعامل مع التقنيات الجديدة أم تركوا للغرق فى كومات التراب والصراع مع الحشرات فى مخازن الدار؟