تعلُّم أشياء جديدة يغير عقولنا. هكذا يخبرنا الباحثون فى علوم الدماغ. ففى كل مرة تتعلم شيئا جديدا؛ تنشأ فى دماغك ارتباطات عصبية جديدة. مهما كان عمرك. بعكس ما كان يُعتقد بأن الدماغ لا يتغير بعد اكتمال نموه.
لكن التعلم فى بعض الثقافات ــ كمجتمعنا العربى ــ يرتبط ارتباطا شبه حصرى بالمدرسة والجامعة، وبمرحلة عمرية محددة. وبالتالى فإنك إذا لم تحصل على تعليم جيد، وتجاوزت المرحلة العمرية «المتعارف عليها» للتعليم؛ فإنك ستظل ناقص عقل ومعرفة طيلة حياتك!
اجمع كثيرا من هؤلاء وستنشأ أمامك مجتمعات مستقطبة حول قضايا سطحية يعلكها الجميع باستمرار وبلا فائدة!
قارن ذلك بالمجتمعات التى عرفت قيمة التعلم الذى لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة ولا بالمناهج الدراسية الرسمية. فى تلك المجتمعات، تكثر الأنشطة الخارجية المرتبطة بتعلم أشياء جديدة ابتداء من سن الطفولة، وحتى آخر مراحل العمر! وهذا ما قاد إلى نشوء مفهوم «التعلم مدى الحياة» الذى تتبناه معظم الجامعات فى الدول المتقدمة.
أما فى مجتمعاتنا، فما هى احتمالات أن يقوم شخص فى الثلاثينيات من عمره أو الخمسينيات أو حتى الثمانينيات بتعلم لغة جديدة أو تعلم الرياضيات أو البرمجة أو تصميم المواقع ــ كل على حسب إمكاناته وصحته!؟ــ وما هى احتمالات أن يلتحق أحدهم بالجامعة مرة أخرى؟ أظن بأن الإجابة محبطة.
وقبل ذلك نسأل: هل تقوم جامعاتنا بدورها فى تمكين المجتمع من التعلم واكتساب المهارات مدى الحياة؟ اليوم، توجد فى كل منطقة وكل جهة من المملكة جامعة كبيرة بميزانيات كبيرة، لذلك لا توجد حجة تمنع الجامعات من إتاحة الفرصة للناس بالتعلم أيا كانت فئتهم العمرية.
لكن ينبغى ألا يكون هذا التعلم بدافع الحصول على «شهادة حضور» وإن كان من حق الشخص أن يبحث عنها، بل ينبغى أن يكون دافعه هو حب التعلم والرغبة فى فتح آفاق جديدة للعقل.
هذه الروح ــ روح حب التعلم والاستمتاع به ــ ينبغى أن تغرس فى المجتمع كافة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا لم يكن حب التعلم مغروسا فيمن يتولون مهمة تعليم الآخرين! فالمعلم غير المواكب لمجاله وغير المتفتح لمجالات أخرى ــ ذلك الذى فقد حب التعلم ــ؛ ينقل روحا سلبية للطلبة قد تبقى معهم طيلة حياتهم!
عموما، لن تكون فى التعلم متعة وفائدة حقيقية إذا لم تعرف كيف تتعلم! بإمكانك أن تحفظ قبل الاختبار إذا كنت طالبا أو قبل شرح المنهج إذا كنت معلما، ولكن هذا ليس بجوهر التعلم!
أختم بمعلومة مهمة، التعلم لا يعنى أن «تنطق» فى الغرفة وتذاكر! فمن العوامل المساعدة على التعلم: الرياضة والنوم. فالرياضة تساعد على نمو خلايا عصبية جديدة فى المنطقة المرتبطة بالتعلم وبالذاكرة فى الدماغ. وكم من شخص مبدع حكى أن المشى والهرولة هما مولدا الإبداع والنشاط العقلى لديه! أما النوم فإنه يعمل على «تنظيف» الدماغ من بعض البروتينات الضارة، ويعزز التعلم والذاكرة.
لذلك فإن التعلم هو موضوع أكبر من التلقين والاختبارات. التعلم هو من دوافع الحياة ومتعها! وأرجو للجميع عاما دراسيا مميزا!