الإذاعة والعَلَم - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 11:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإذاعة والعَلَم

نشر فى : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م
أتابع منذ أيام صورًا وأخبارًا بل وتسجيلات عن القرار الذي اتخذ مؤخرًا ببدء العام الدراسي في الجامعة بتحية العلم. تفاجأت بالفكرة وأظنني لست الوحيدة، فالجامعة على ما أعلم حرم وساحة متسعة نشطة وآلاف من الطلاب ولكل طالب دفعته ومحاضراته ومواعيده، فمن الذي يحيي العلم ومتى وكيف، وأخيرًا لماذا؟

***
ذكرني هذا القرار بآخر شبيه، ففي نهاية العام الماضي أصدر وزير التعليم قرارًا بتخصيص فقرة في الإذاعة المدرسية للحديث عن المشاريع القومية، كتبت الصحف كلها عن هذا القرار وتداولته وسائل الإعلام، وحصد من اهتمام الناس ما تحصده غالبية الأخبار المبهرة التي نتلقفها دون تمهيد. أذكر أنني قرأت الخبر حينها وضحكت؛ كنت طالبة في المدرسة وكانت الإذاعة بالنسبة لغالبية الطالبات أمرًا مملا يدعو للتثاؤب والتمَلمُل. أذكر أخبار الصباح التي تبدأ بعناوين الصفحات الأولى من الجرائد الرسمية، وفقرة بعنوان “حكمة اليوم” حملت إلينا في العادة محاولات للحفز على الاجتهاد والتحصيل، والالتزام بحسن الأخلاق، وأحيانًا تخويف من عواقب التمرد وعدم الانضباط.

*** 
أذكر أننا كنا نقف في الطابور، لا نكاد نسمع تقريبًا ما تقرأ الطالبات المجدات علينا في مكبر الصوت، نراهن من أماكننا، مفرودات الظهور، مشرئبات الأعناق، يملؤهن الفخر، فنشعر بثقل الدم والجدية المفرطة التي لا داع لها ونبدأ في وصلة مزاح. ربما تبدلت النظرة بعد سنوات طويلة، لكن العبرة بما كان وقتها، وبما حظت الإذاعة المدرسية مِن رفض ونبذ وسخرية مننا.

*** 

بغض النظر عما كان وعن الذكريات القديمة، فالمشاريع التي تُطلق عليها في الآونة الأخيرة صفة “قومية”، لا تُعرَف عنها معلومة صادقة أو حتى ثابتة، يلقى أحد المسئولين تصريحًا في الصباح، يعقبه آخر معاكس في المساء، وثالث يفند الاثنين صبيحة اليوم التالي. وَضَعَت عديد الصحف هذه العبارة في صدر الخبر كحيثية من حيثيات قرار الوزير: “رفع مستوى الوعى لدى الطلاب بالمشروعات القومية التى تنفذها الدولة، باعتبارها قاطرة التنمية، وتتميز باتساعها وانتشارها فى مختلف أرجاء الوطن»، ثم زادت صحف أخرى عبارات منسوخة لا تستثير في قارئها إلا العجب، إذ هي أشبه بمواضيع الإنشاء، وفيها من السذاجة والضحالة ما يجعل من الخبر هزلا لا جَدًا.

*** 

لم يقتصر القرار على أمر الإذاعة المدرسية، بل جاء تنبيه واضح بضرورة تضمين الأنشطة المختلفة كالخطابة والمناظرات والصحافة كلامًا عن المشروعات القومية، بل وإقامة مسابقات أدبية حولها. المذهل أن القرار يملي على إدارات المدارس ما يجب أن يُقال وأن يبث في آذان التلاميذ. لا نقاش ولا بحث ولا تفكير، لا إيجابيات وسلبيات، بل عبارات رنانة فات أوانها منذ عقود وصارت في متحف التاريخ. مِن المسئولين مَن يتصورون أننا لا نزال نعيش في القرن الماضي، حيث المدرسة والإذاعة والصحيفة الرسمية والقناة المملوكة للدولة هي مصدر المعلومات الوحيد، وحيث يمكن للمرء أن يكذب نفسه وجوعه وألمه ويصدق كلامًا لامعًا لكنه عالق في الهواء.

***
القرارات كثيرة وعديدها عشوائيّ، ونتائجها في العادة غير مدروسة، هي غالبية الأحوال فكرة تبرق في رأس من الرؤوس فتصنع حماسة وقتية، لا يعقبها تفكير ولا تدبير، بل فعل وتطبيق وفي أحيان عديدة ينتهي الأمر إلى لا شيء، وتكلل الخطوات المتعجلة بعد وقت قصير بالتراجع والنسيان.

***
سمعت بعد قليل من صدور قرار الإذاعة المدرسية، مذيعة تؤكد أن تحية العلم هي الحلّ، هي التي ستبث الوطنية في نفوس الطلاب وتجعلهم شعلة من الحماسة، مرت الشهور وإذا بمقترحها الذي أخذته عن نفسي على مَحمَل الهزل، مَحَلَّ تنفيذ. 

***
على كل حال لا أدري ما يدفع إلى مثل هذا الاعتقاد، فروح الوطنية ليست في حركة أو إيماءة أو صيحة يطلقها طالب يعاني من القيود المضروبة حوله، ومن خنق حريته والاستهانة بوجوده ومن غياب الحقائق وحضور الأكاذيب. روح الوطنية لا تخضع لإذاعة موجهة ولا لتحية علم مُصطَنَعة، بل تُبنى على أُسس أخرى أولها احترام آدمية كل فرد وصَون حقوقه.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات