الفساد الحكومى هو: 1) أن يحصل فرد أو مجموعة من مؤسسات أو أجهزة الدولة الإدارية على موارد أو مخصصات عامة دون وجه استحقاق، 2) أن يستغل المسئول أو شاغل المنصب العام أو الموظف العمومى صلاحياته للتربح الشخصى أو يخرج على القانون بتمكين أفراد أو مجموعات من الحصول على موارد أو مخصصات عامة دون وجه استحقاق، 3) أن ترتب هذه التجاوزات والمخالفات حرمان أفراد أو مجموعات من الحصول على كامل الموارد و/أو المخصصات العامة التى يستحقونها، 4) أن تتسبب عوامل داخل مؤسسات وأجهزة الدولة الإدارية كالبيروقراطية المتضخمة وسطوة الروتين وتدنى مستويات الشفافية ومحدودية أدوات محاسبة المسئولين وغياب التداول الحر للمعلومات وللحقائق فى إهدار موارد أو مخصصات عامة ومن ثم فى حرمان الناس مما يستحقونه.
لمحاصرة ثم احتواء ثم القضاء على الفساد الحكومى وتجفيف منابعه والتخلص من تداعياته السلبية، وتعويلا على بعض النماذج المعاصرة الناجحة لمواجهة الفساد فى دول ومجتمعات تتشابه ظروفها مع الظروف المصرية، يتعين علينا النظر فى تطبيق الخطوات التالية:
1ــ عصرنة وتعديل القوانين المنظمة للخدمة العامة ولعمل الموظفين العموميين على نحو يجعل من النزاهة والشفافية، ومنع تغليب المصالح الشخصية على الصالح العام، وقبول مبدأ المساءلة والمحاسبة قواعد ملزمة وفعالة داخل جميع مؤسسات وأجهزة الدولة الإدارية.
2 ــ السيطرة على سطوة الأفراد النافذين والمجموعات المنتمية للنخب الاقتصادية والمالية والسياسية عبر تقنين وجود جماعات الضغط والمصالح وتجريم التداخل بين الشخصى والعام، وإلزامها بقواعد الشفافية وبعلنية أعمالها، وتمكين السلطة التشريعية من مراقبتها والسلطة القضائية من محاسبتها الفعلية حال التورط فى الفساد.
3 ــ تحفيز الموظفين العموميين فى مؤسسات وأجهزة الدولة على توثيق وقائع الفساد والكشف عنها ومقاومتها عبر توفير الحماية القانونية والإدارية لهم، واعتماد حزمة من الممارسات التشجيعية وإجراءات التصعيد الوظيفى/المهنى المرتبطة بمواجهة الفساد.
4 ــ تشكيل مرصد مصرى لمواجهة الفساد تشارك به الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى ذات الاهتمام بالأمر ومجموعات تمثل السلطتين التشريعية والقضائية والقطاع الخاص وخبراء قانونيين وإداريين على أن تكون مهمة المرصد هى متابعة خطوات مواجهة الفساد وتقييم تطبيقاتها فى الواقع المعاش، تحويل بعض قضايا الفساد الحكومى بعد توثيقها إلى قضايا رأى عام بهدف استثارة وعى الناس وتنشيط خلايا رفضهم العلنى للصمت عن الفساد، إعداد ونشر كشاف سنوى بالحالات الناجحة لمواجهة الفساد وبالنماذج الناجحة لمؤسسات وأجهزة إدارية تخلصت من الفساد ولموظفين عموميين أوقفوا تغول ممارساته ولمصالح وشركات خاصة رفضت التورط به ولمحاكم انتصرت للصالح العام بالمساءلة والمحاسبة المنضبطة للفاسدين. وإن امتنعت الحكومة عن المشاركة فى رصد مواجهة الفساد هذا، تستطيع منظمات المجتمع المدنى ــ حال خروج بعض منها بسلام من الهجمة السلطوية الراهنة ــ والأطراف الأخرى تشكيله وتنشيطه.
لن نتوقف عن الدفاع عن الحقوق والحريات والمطالبة بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات ولا عن نقد تغول السلطة التنفيذية واختزالها للدولة فى أدوات للسيطرة وللضبط الأمنى ولتهجير المواطن من المجال العام قهرا وقمعا ولا عن الدعوة إلى مسار تحول ديمقراطى، وسيضعنا هذا دوما فى خانات المعارضين ومطاريد الديمقراطية. إلا أن مواجهة الفساد داخل المؤسسات والأجهزة الإدارية والحد من تداعياته السلبية، شأنهما شأن الكثير من القضايا الفنية الأخرى، لا يحتملان التأجيل.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.