ليس بالضرورة أن تتفق مع عمل أدبى أو فنى حتى تدافع عن حق صاحبه فى الإبداع، فقد تختلف معه فى كل أو بعض مما جاء فيه، وبالرغم من ذلك تدافع عن المبدع ذاته. طويت صفحة سجن «إسلام البحيرى»، وهناك صفحات أخرى تحتاج أن تطوى بما فيها صفحة الروائى أحمد ناجى، الذى يمضى عقوبة الحبس عامين بعد إدانته بتهمة خدش الحياء العام على إثر نشر فصل من روايته «استخدام الحياة» فى «أخبار الأدب». توالت الأيام الماضية مطالب قطاع عريض من المبدعين والمثقفين بالعفو عنه، ولا سيما أنه لم يلجأ إلى عنف أو يمسك سلاحا، فقط عبر عن أفكاره بالقلم، نتفق أو نختلف معه.
لا نعلق على الحكم القضائى ذاته، فقد حكمت محكمة أول درجة ببراءة أحمد ناجى، ثم جاءت محكمة الاستئناف وأدانته، كل ذلك تجاه نفس النص، ونفس الاتهام. بالتأكيد يتصل الأمر بعقيدة القاضى، ورؤيته، وطبيعة قراءته للنص الأدبى، واستدعاء النص القانونى لمحاكمة النص الأدبى الذى رأى قاض أنه ليس خادشا للحياء مستعينا بشهادة مبدعين ونقاد كبار تطوعوا بالشهادة أمام المحكمة، وشرح النص الأدبى بالاستناد إلى نصوص مماثلة من التراث العربى، فى حين رأى قاض آخر أنه خادشا للحياء وفق قراءته للنص الأدبى دون الركون إلى شهادات من أدباء أو نقاد. رأى الأول أن الناس تختلف حول مصطلح «خدش الحياء» وأن النص الأدبى لا يقتطع من سياقه، بينما رأى الثانى أن للحرية ضوابط، ولم يراع الأديب حرمة الأدب والأخلاق، والدستور أمر بالحفاظ على الأسرة والأخلاق ومقومات المجتمع. إذا اعتمدنا هذا التفسير فإن العديد من الأعمال الأدبية والفنية، التى ظهرت طيلة عقود تقع تحت طائلة القانون، ولا سيما أن نصوص القانون ذاته واسعة، فضفاضة، والقاضى فى النهاية ينظر فى الموضوع الذى أمامه.
رواية «استخدام الحياة» أو أى عمل أدبى يباع لجمهور متخصص، يقبله أو يرفضه، لكنه فى النهاية «نص أدبى» لا يخرج عن حدود النص، وتكون محاكمته بواسطة مبدع أو قارئ متخصص، أو ناقد أدبى. والسؤال: هل نريد المجتمع يتحلى بالأخلاق البرجوازية، أى يبدو ظاهريا بأنه «أخلاقى» «طاهر» «عفيف» بينما الفساد، والتحرش، والعنف ضد المرأة، والاعتداء على الطفل يمارس على نطاق واسع. هل يخدش نص أدبى «الحياء»، حتى إن اشتمل على ألفاظ خارجة، بينما الفقر، والعوز، والتهميش يطحن الناس، ويؤرق حياءهم، وقد يدفعهم دفعا إلى التخلى عن الحياء بحثا عن لقمة العيش.
الأديب أحمد ناجى فى «استخدام الحياة»، يقدم نموذجا لمن يستخدمون الحياة على طريقتهم الخاصة، وبالتأكيد هناك البعض فى المجتمع يقترب أو يبتعد عن هذا النموذج، أيا كان رأينا الاخلاقى أو الدينى فيما يفعلون، فالأدب أو الفن ليس وعظا وإرشادا، لكنه يقدم صوره من المجتمع. قد تصدمنا، وقد نرفض فجاجتها، وقد نتألم لوجودها، ونتمنى صورة أخرى أكثر نقاء لمجتمعنا، لكن فى النهاية هذا عمل أديب أو فنان ينبغى أن يكون حرا طليقا حتى نمارس الاختلاف معه بالقلم وحسب.