«إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات، سنتراجع فورا عن الخطوات التى اتخذناها». الكلمة الأساسية فى التصريح الذى أدلى به وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف كانت كلمة «إذا» التى قالها فى البداية. فى الأيام الثلاثة الأخيرة جرت نقاشات حثيثة فى هذا الشأن فى الإدارة الأمريكية، وبينها وبين الشركاء الأوروبيين الذين وقعوا الاتفاق النووى مع طهران فى سنة 2015. الموقف المعلن للرئيس الأمريكى جو بايدن، يحدد أن العقوبات لن تُرفع قبل أن تتوقف إيران عن انتهاكاتها للاتفاق وتعود إلى الوضع المحدد فيه أصلا. إيران من جهتها تطالب برفع العقوبات كشرط مسبق لاستئناف الاتصالات بين الطرفين.
ما مقدار المساحة المتبقية للتفاوض بين هذين الموقفين الصارمين، اللذين يفتحان طريق «الدبلوماسية الحذرة» ــ كما وصف بايدن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى؟ فرضية العمل أن الطرفين مهتمان بإحياء الاتفاق الذى انسحبت منه الولايات المتحدة فى سنة 2018. بايدن أوضح خلال حملته الانتخابية أن هذه هى نيته، وهذا هو الموضوع الأول فى جدول أعماله السياسى. إيران لم تتوقف خلال العامين الأخيرين عن المطالبة بتطبيق الاتفاق النووى. وانتظرت سنة قبل أن تبدأ بخرق بنوده، والآن أيضا تعلن أن كل «ما تطالب به هو أن تنفذ الولايات المتحدة تعهداتها فى الاتفاق».
من أجل تحسين فرص الجهد الدبلوماسى قرر بايدن التراجع عن المطالبة بالعودة الفورية إلى كل العقوبات الدولية التى فُرضت على إيران. هذا بالإضافة إلى قرار رفع جزء من القيود التى فُرضت على حركة الدبلوماسيين فى الوفد الإيرانى فى الأمم المتحدة.
فى المقابل وافقت إيران على البحث مع مدير الطاقة النووية الدولية رافائيل جروسى عن حل لمشكلة الرقابة. هذه طبعا ليست خطوات دراماتيكية وليست منعطفا، بل تدل على نية الطرفين إيجاد جو إيجابى تمهيدا للمحادثات. جروسى اجتمع الأحد الماضى فى طهران برئيس وكالة الطاقة النووية الإيرانية على أكبر صلاحى. لقد تحدث بحذر عن نيته «إيجاد حل متفق عليه يتطابق مع القانون الإيرانى»، ومن الصعب رؤية كيف ستتحول هذه الدائرة إلى مربع.
على أى حال، أوضحت إيران أنها ستوقف ما تسميه «رقابة طوعية كجزء من إظهار شفافية المشروع النووى». هذا البند يسمح بالوصول العشوائى إلى منشآت عسكرية غير نووية. وهو موجود فى البروتوكول الذى أُضيف إلى الاتفاق النووى، ويوسع بصورة غير مسبوقة من قدرة مراقبى الأمم المتحدة على فحص منشآت مشبوهة فى إيران. وتجدر الإشارة إلى أن إيران وافقت على تمديد عمل المراقبين الدوليين لوكالة الطاقة النووية لمدة ثلاثة أشهر أُخرى.
الخطوة الأهم هى الرسالة التى نقلها وزير الخارجية الأميركى أنتونى بلينكن إلى نظرائه فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا ــ ومفادها أن الولايات المتحدة ستوافق على أى وساطة أوروبية تدفع قدما بالمفاوضات على الاتفاق النووى، من دون شروط مسبقة. وبذلك أعطى بلينكن ضوءا أخضر علنيا ورسميا لتحريك الاتصالات. وزارة الخارجية الأميركية تهربت من الإجابة عما إذا كانت الاتصالات بدأت فعلا بين مندوبين أميركيين وإيرانيين، لكن التقدير أن مثل هذه الاتصالات حدث، والآن ينتظرون الرد الإيرانى الرسمى بشأن استعداد إيران للانضمام إلى المفاوضات.
تلميح عن طبيعة الرد المتوقع وصل من الناطق بلسان الحكومة الإيرانية على ربيعى الذى قال إن طهران «واثقة بأن المبادرة الدبلوماسية ستصل إلى الهدف المنشود.» وأضاف «السير إلى الأمام والخلف على المستوى الدبلوماسى هى مقدمة لعودة كل الأطراف إلى التزاماتهم بالاتفاق، بما فيها رفع العقوبات فى المستقبل القريب.» إذا كان كلام الربيعى يعكس موقفا إيرانيا متفقا عليه، يمكن حينئذ الوصول إلى استنتاج أن إيران لا تنوى انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية فى يونيو المقبل، وهى مستعدة لتسريع النقاشات واستغلال الزخم الذى أوجده بايدن.
فى الوقت عينه، تعرض الرئيس الأميركى لانتقادات حادة من طرف أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين قالوا إن البادرات الحسنة التى قدمها هى تنازلات من دون مقابل.
بالإضافة إلى الرسالة التى سيرسلها 113 عضوا فى الكونغرس تطالبه بعدم العودة إلى الاتفاق النووى. مسئول كبير فى الخارجية الأميركية فى واشنطن رد على هذه الانتقادات قائلا إنها «تنازلات منطقية» هدفها إزالة العقبات التى تعترض الجهود الدبلوماسية. والسؤال الأساسى هو كيف يمكن أن يحدث هذا من دون أن يبدو أى طرف أنه تنازل أولا.
لا تشارك إسرائيل والسعودية والإمارات فى هذه النقاشات. وعلى الرغم من مطالبتها بالمشاركة، أو على الأقل بأن تكون مراقِبة فيها، لم يجر التوصل إلى اتفاق على ذلك ــ فى الأساس بسبب معارضة إيران لأن تشارك فى المفاوضات أطراف لم توقع الاتفاق الأصلى. وفى الواقع تعهدت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها ستتشاور معها وستضعها فى مستجدات الاتصالات، لكن كما هو معروف لم يقدم تعهد أمريكى بمنح إسرائيل حق الفيتو على مضمون النقاشات، فكم بالأحرى على نتائجها.
مصدر دبلوماسى أوروبى قال لـ«هاآرتس» إن النقاشات فى هذه المرحلة «تقنية وهدفها إعداد الأرضية تمهيدا للقاء مشترك بين الوفد الإيرانى والدول الموقعة على الاتفاق النووى، والتوصل إلى اتفاق على مكان الاجتماع وموعده، وعلى مستوى المشاركين فيه.» مع ذلك، من الواضح أن «النقاشات التقنية» لا يمكن أن تحدث من دون تفاهمات واتفاقات مبدئية مسبقة على مضمون النقاش. وأضاف المصدر: «ليس للاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة أى نية للمس بمصالح إسرائيل أو الدول الصديقة لهما فى الشرق الأوسط، بل نحن نؤمن بأن الاتفاق النووى يستجيب بصورة ملائمة لمطالب إسرائيل، لذلك يجب أن تكون معنية بنجاح المفاوضات».
هذا طبعا ليس موقف إسرائيل التى عارضت الاتفاق النووى بشدة منذ البداية، وعملت على إحباطه قبل توقيعه، وكانت من الدول الأكثر تأثيرا فى الرئيس ترامب للانسحاب منه. الآن تجد إسرائيل نفسها فى وضع قدرتها فيه على توجيه خطوات بايدن محدودة، وأى خيار للسير على مسار الاشتباك مع الإدارة الأمريكية لا يبدو فعلا واقعيا. يجب أن تكون فرضية عمل إسرائيل أن الرئيس الأمريكى لن يوقف العملية إزاء إيران ما دامت الأخيرة مهتمة بها.
تستطيع إسرائيل التمسك بنافذة الفرص التى قدمها بايدن الذى رأى فى العودة إلى الاتفاق النووى مرحلة فقط فى سلسلة اتفاقات مستقبلية يأمل بتوقيعها مع إيران، تتضمن قضايا الصواريخ الباليستية ودعم إيران للإرهاب. هذا الوعد ليس كافيا لإسرائيل، لكن يبدو أن طمأنتها حاليا ليست فى رأس اهتمامات مَن يجلس فى الغرفة البيضاوية فى البيت الأبيض.