أن تنصاع إلى الآخرين - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أن تنصاع إلى الآخرين

نشر فى : السبت 23 أبريل 2011 - 10:36 ص | آخر تحديث : السبت 23 أبريل 2011 - 10:37 ص
دائما ما يمارس المجتمع سلطته على الأفراد، فيضطرهم فى كثير من الأحيان إلى الالتزام بحدود معينة لا يتمكنون من اختراقها، ليس بفعل القوانين الرسمية ولكن عن طريق المجتمع ذاته الذى يمارس ضغوطا عرقية من أجل الحفاظ على أسسه وضوابطه التى يرتضيها.

البعض منا يمتثل تماما لما يملكه المجتمع من سطوة ويستسلم لها، والبعض يحاول الوقوف فى المنتصف كى يرضى نفسه نسبيا دون أن يصبح منبوذا من الآخرين، وهناك من يعطى للمجتمع ما يريده ظاهريا ويحتفظ لنفسه بما يراه حتى تلوح الفرصة لإخراجه، وهناك أيضا من يعمل على تغيير تلك الثوابت وهو ما يمثل أشق الاختيارات.

لا يحدث هذا فقط بين المجتمع والأفراد، فالجماعات أيضا تمر بالمثل، قد يقوم المجتمع بممارسة ضغوطه عليها وتطويعها وفقا لاتجاهاته.

فى الأوقات التى تشهد حراكا مجتمعيا على مختلف المستويات، يظهر التأثير المتبادل بين المجتمع والأفراد والجماعات بأوضح ما يكون، وقد يصبح الالتزام بموقف ثابت أمرا هامشيا لا يتم الالتفات إليه كثيرا.

تتبنى بعض الجماعات والفصائل مواقف لا ترضى عنها نزولا على رغبة المجتمع ثم تعود إلى سابق عهدها فور أن تستشعر أن المجال قد أصبح أقل عدائية وأكثر استعدادا لقبولها. يسمح بعض الإسلاميين تحت ضغط المجتمع بترشيح النساء والمسيحيين لمنصب رئاسة الجمهورية فى فترة ثم لا يلبثون أن يُحَرِّموَه ولا يمر بين الرفض والإباحة سوى فترة زمنية شديدة القصر.

ويقر الليبراليون المرجعية الدينية للدولة بمجرد أن يواجههم المجتمع برفض فكرة الدولة المدنية، فيتقهقرون إلى الوراء ويتنازلون عن أهم أركانها دون محاولة الدفاع عن رؤيتهم.

هناك أيضا الإخوان المسلمون الذين يتراجعون عن التصريح بنواياهم فى بناء دولة إسلامية تُطَبَّق داخلها الحدود، ويعاودون تشكيل الكلمات والعبارات بعد استنكار قسم كبير من المجتمع لها، وهناك أحد المرشحين للرئاسة الذى يلجأ إلى جماعات دينية ويتحالف معها بعد أن يلصق به المجتمع صفات الكفر والعلمانية، فينفى عن نفسه التهم ويعيد صياغة أدواته فى إطار جديد لا يقابل بالرفض.

الأمثلة كثيرة على ما يفعله المجتمع بالناس سواء كانوا فرادى أو جماعات، الكل يخضع وينصاع ويحاول إعادة تكييف مبادئه كى لا يتم استبعاده. لا أحد تواتيه الشجاعة لإعلان موقفه وتوجهه بوضوح وصراحة، ثم الدفاع عنه وتحمل ما قد يعقبه من نتائج.

الكل يتحور ليلائم ما يفرضه المجتمع من إطارات، الكل يخشى الخروج منها، والكل يسير وفقا لما يجعله محل الترحيب والإجماع.

تشير بعض الدراسات إلى أن الأغلبية الممثلة للمجتمع قادرة على التأثير وعلى فرض توجهاتها عن طريق ما تملكه من قوة وسلطة، لكنها لا تحقق الفوز دائما. فى بعض الأحوال قد تتمكن الأقلية داخل مجتمع ما من إحراز انتصارات. يحدث هذا حين تكون تلك الأقلية متسقة فيما تطرحه من أفكار وصادقة مع نفسها ومع الآخرين بحيث تكتسب ثقتهم، وكذلك حين تتلاقى معتقداتها الاجتماعية أو السياسية مع المبادئ والقيم التى يتبناها المجتمع أو التى تسوده فى إحدى مراحل التطور.

إذا تحققت تلك الشروط فقد تصيب الأقلية نجاحا كبيرا فى جذب الناس إلى مدارها، بل وقد تستميل إلى جانبها جزءا من الأغلبية محدثة تغييرا حقيقيا فى أفكار بعض أفراد الجماعات المناوئة.

إذا نظرنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أن أقلية من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية وبعض القوى السياسية التى لديها رؤية واضحة قد تمكنت عن طريق المثابرة وعرض القضية التى تتبناها بصورة واضحة من التأثير فى الأغلبية وضمها إليها، هناك مثلا قضايا التعذيب التى كانت تقابل بالشك والتكذيب ثم صارت تحتل الساحة واجتذبت آلافا من الناس إلى جانبها.

هل ينطبق المنطق ذاته على الجماعات السلفية مثلا؟ ربما فالسلفيون قد يمثلون أقلية لكن رؤيتهم بغض النظر عن جمودها، تعتبر أكثر اتساقا وأقل تلونا وخضوعا لمطالب المجتمع، والخطاب المستخدم فيها أبسط وأكثر وضوحا من خطابات الفصائل الأخرى.

لنطالع بعض هتافات السلفيين فى تظاهراتهم: «الشعب يريد تحكيم الكتاب»، «لا غربية ولا شرقية إسلامية إسلامية»، و«لا مدنية وعلمانية مصر دايما إسلامية». وهتافاتهم التى نقلتها الفيديوهات من قنا: «يا وزارة يا وزارة مش عايزينه من النصارى، إرفع راسك فوق إنت مسلم».

فى مؤتمراتهم يعلن السلفيون بدء عهد جديد ويحذرون النظام من المساس بالمادة الثانية من الدستور ومن فكرة الدولة المدنية، ويشددون على أن هوية مصر إسلامية فقط. خطاب واحد فى جميع المحافظات من قنا إلى أسيوط إلى السويس إلى الإسكندرية، خطاب واضح المعالم رغم تطرفه، ثابت لا يخضع ولا يمتثل لمحاولات التأثير فيه أو إعادة إنتاجه بشكل يرضى مزاج الجماعات والفصائل الأخرى، من هنا فإنه قد يُعدُّ فى نظر البعض الأكثر استحقاقا للثقة.

●●●

أن ينصاع المرء لما حوله من مؤثرات سواء مارسها المجتمع أو الأفراد والجماعات المختلفة، وأن يحاول التكيف معها بغض النظر عما يضطر إلى تقديمه من تنازلات وما يتخلى عنه من مبادئ، هو أمر لا يحقق فى النهاية هدفه بشكل جيد، فبمرور الوقت لا يصبح المرء قادرا على تبين مواقفه الحقيقية من كثرة ما بذل من محاولات لإرضاء الآخرين. تتوه الأشياء الثمينة وسط كم من المناورات والخداع والتجمل ويبقى الغث، ثم تتداعى الثقة فى ما يمثله من مبادئ.

على الساحة الآن اتجاهات متعددة ودعوات كثيرة، أيها سوف يلقى القبول من الغالبية العظمى؟ لا يمكن القطع بشىء، لكنه وفى كل الأحوال ليس من المنطقى أن يظل الناس فى حالة توجس من التعبير عما يؤمنون به ويرون أنه الأفضل، ليس من المنطقى أن تؤجل المصارحة وتستمر المراوغات وكأن شيئا لم يتغير، ربما حان الوقت كى تمارس الحركات والجماعات والتحالفات حريتها فى تبنى ما تراه دون أن تتخفى ودون أن تتملق أو تهادن أو تكذب من أجل أن تحوز رضا الآخرين.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات