يعود المصريون ــ مرة أخرى ــ فى غضون أقل من عامين لانتخاب رئيس جديد. تجربة الانتخابات الماضية رغم تعددية المرشحين، وارتفاع وتيرة الصخب السياسى، لم تطرح الاسئلة الاساسية التى تتعلق بتقدم المجتمع المصرى، ولم ير المصريون برامج يقيمون المرشحين طبقا لها، بل انتهى الأمر بالتمحور حول الدينى والمدنى، المرشح الذى قيل إنه محسوب على الثورة، والمرشح المحسوب على نظام مبارك.
هذه المرة، والتى تعلم فيها المجتمع المصرى الكثير، ينبغى أن يدور النقاش الانتخابى حول قضايا أساسية، تظهر فيها برامج المرشحين، وتصوراتهم بعيدا عن الشعارات العامة أو الأمانى الفضفاضة أو حوارات استدعاء الماضى، والمزايدة على المستقبل.
هناك قضايا أساسية:
• سؤال العدالة الاجتماعية، ما التصور المطروح لتحقيق العدالة الاجتماعية فى المجتمع، بمعنى التوزيع العادل للثروة، والتوازن بين الجماعات والطبقات المختلفة، وتحجيم الهوة بين الأغنياء والفقراء، أى بين من يملكون ومن لا يملكون.
• سؤال الديمقراطية، كيفية استكمال بناء الديمقراطية فى المجتمع بمعنى حرية التنظيم، والحقوق والحريات الأساسية، وحرية تأسيس منظمات المجتمع المدنى، والمشاركة الحرة الطوعية من جانب المواطنين، وتمتع المتنافسين سياسيا بفرص متساوية لعرض أفكارهم وبرامجهم.
•سؤال المساواة، تعميق المساواة فى المجتمع، نصا وفعلا، بصرف النظر عن الاختلاف فى النوع أو الدين أو الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعى، وإعادة النظر فى القوانين والممارسات على أرض الواقع تحد من التمتع بالمساواة الكاملة.
• سؤال الحكم الرشيد، بمعنى إعادة هيكلة جهاز الدولة ــ الذى يعانى من ترهل وتفكك ــ على أساس النزاهة والشفافية والإنجاز وحكم القانون والمساءلة، وتحويله إلى جهاز منتج يسهم فى تنمية المجتمع، وهو ما يستدعى وضع تصور واضح للتنمية.
• سؤال المكانة الخارجية، ويعنى كيفية استعادة الحضور المصرى إقليميا وخارجيا، النظر فى عناصر القوة الناعمة (الإعلام، التعليم، المؤسسات الدينية)، والقوة الاقتصادية، وأيضا إمكانات القوة الخشنة ــ أى القدرات العسكرية.
أفضل ما فى التجربة السابقة أنها ارتقت بوعى المصريين لمعرفة المشكلات الأساسية التى تعرقل تقدمهم، وتوارت إلى حد كبير النقاشات التى تخفى القضايا الحقيقية مثل التطاحن حول قضايا الهوية، والدين والدولة، الخ. النقاش الآن ــ إذا أردنا حوارا موضوعيا ــ ينبغى أن ينصب على قضايا السياسات العامة، وتحديد الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى يتجه إليها المجتمع، ولا يتحول الأمر إلى سياسات رد فعل.
أتمنى أن يسير الإعلام فى اتجاه النقاش الجاد فى فترة الاسابيع المتبقية قبل الانتخابات الرئاسية من خلال طرح القضايا الأساسية، الحصول على اجابات واضحة من المرشحين، استدعاء المتخصصين للإدلاء بدلوهم فى القضايا المطروحة ــ أى باختصار الاستفادة من هذه المرحلة فى رفع وعى المواطنين بقضايا المجتمع، والارتقاء بالتفكير بعيدا عن نقاشات الاستقطاب، وتبادل الاتهامات، والاغراق فى التفكير فى الماضى بعيدا عن طرح تصورات النهضة فى المستقبل.
هكذا نعطى للحملات الانتخابية المعنى، ولا تصبح هى الأخرى مجرد حلقة فى مسلسل النقاش الخالى من المضمون الذى يهيمن على المجتمع.