هناك قلة فى المعروض من معلومات عن الواقع الاقتصادى، رغم تعاظم الانشغال به. وأصبح المجتمع يعرف الكثير عن الاقتصاد المصرى من التقارير المتلاحقة التى تصدرها جهات دولية، غلب التشاؤم على غالبيتها فى الفترة الماضية. وعادة تجد هذه التقارير طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعى، ونقاشاتها، والتى يظهر فيها كل أشكال الغضب، والتوتر، وأحيانا مشاعر الشماتة فى الدولة!
أظن أن أحد أسباب هذه الحالة هى ضعف المعلومات الموثقة عن الواقع الاقتصادى، التى تصدر عن المسئولين، والتى تؤدى حال صدورها إلى توجيه دفة الحوار حول الشأن الاقتصادى بعيدا عن التقديرات المتشائمة التى تصدر من الخارج، وتجد من يتبناها، ويروجها، ويعيد إنتاجها. ومن حق المواطن أن يقلق، وهو يرى أحاديث، ظاهرها علمى وباطنها معبأ بشحنات من القلق والغضب، وصل إلى حد التبشير بقرب توقف الحكومة عن سداد أقساط الديون الخارجية، وبلوغ حافة الإفلاس، والتلويح بمصير مشابه لما يحدث فى لبنان، رغم أن المحللين الاقتصاديين المنصفين يعلمون أن دولة كبيرة بحجم مصر، لديها مصادر دخل متعددة من العملة الصعبة، وأنشطة اقتصادية واسعة، يصعب أن تنزلق إلى هذه الهوة الاقتصادية، وإن ظلوا يعربون عن قلقهم، ويرون أن فى الإمكان حدوث تدهور فى الأوضاع الاقتصادية.
بالتأكيد ليست الحالة الاقتصادية جيدة. يدرك ذلك المواطن العادى الذى يواجه لهيب الأسعار كل يوم، ويظل السؤال المطروح دائما: إلى أين؟
فى تصريحات أدلى بها المهندس مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ــ الأسبوع الماضى ــ إشارات مهمة ينبغى التوقف أمامها مفادها أن الجنيه مُقدر بأقل من قيمته، وأنه سوف يسترد عافيته نتيجة التوسع فى الاستثمار، وإن الدولة تفى بالتزاماتها دون تأخير أو إبطاء. حديث مهم، واضح ومباشر، تزامن معه انخفاض سعر الدولار فى السوق السوداء بشكل واضح، استرعى انتباه وكالة بلومبرج، السبب الظاهر أن حديث رئيس الوزراء أشار إلى أنه لا نية حاليا إلى تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، وهى رسالة مستبطنة إلى المضاربين بالتوقف عن تخزين الدولار أملا فى ارتفاع سعره، رافق ذلك أيضا تقارير دولية أشارت إلى أن الحكومة لن تتجه إلى تخفيض قيمة الجنيه على الأقل قبل حلول السنة المالية الجديدة. وساعدت على ذلك عدة خطوات أخرى منها: قرار رابطة تجار السيارات بالتوقف عن شراء الدولار من السوق السوداء، والعمل على دعم الجنيه، والإعلان عن استثمارات جديدة سواء، وتوقع انتعاش قطاع السياحة، والبدء فى الافراج عن السلع المستوردة العالقة فى الجمارك ومنها الإعلاف، ويكشف تحسن وضع الجنيه أمام الدولار خارج النظام المصرفى أن هناك جانبا واسعا من الاقتصاد، الموازى أو غير الرسمى، لا نعرفه، ولا ندرك أبعاده، ويمثل اندماجه فى الاقتصاد الرسمى حلا، لو جزئيا، لأزمة توافر العملة الصعبة.
ما أريد قوله إن هناك ضرورة فى الحديث المباشر والمستمر عن الواقع الاقتصادى، وإطلاع الرأى العام بشفافية عما يجرى فى الاقتصاد، وطبيعة التحديات التى يواجها، لأن ذلك فى حد ذاته يهدئ المخاوف بشأن المستقبل، ويغلق باب الشائعات، ويحصن المواطن ضد المبالغات التى تحيط به من كل جانب.