في صحبة محمود سعيد الجميلة - سيد محمود - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في صحبة محمود سعيد الجميلة

نشر فى : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:10 م

 يشهد قصر عائشة فهمى بالزمالك فى القاهرة حدثا ثقافيا مبهرا أتمنى شخصيا لو أتيحت أمام الجميع فرصة متابعته، وهذا الحدث هو معرض فى صحبة الفنان محمود سعيد الذى أقامته وزارة الثقافة إحياء للذكرى الستين لرحيل رائد التصوير المصرى الحديث الفنان محمود سعيد، وأجمل ما فى هذا الحدث أنه لم يقتصر فقط على استعادة أعمال الفنان بما لها من قيمة كبرى فى تاريخ الفن المصرى والعالمى، وإنما لأنه أظهر مجموعة من الأمور المهمة. أولها حجم ما تملكه مصر من ثروة تشكيلية، لكنها للأسف كانت مكدسة داخل المخازن، كما أن الكثير منها لم يعد متاحا للعرض لأسباب مختلفة، منها أن الدولة لم تكن مهتمة ببناء متاحف جديدة أو ترميم وإعادة تجهيز المتاحف القديمة التى تم تأسيسها فى عهود سابقة، وأتصور أن وزير الثقافة الجديد بإمكانه أن يخطو خطوات مهمة فى هذا الاتجاه، خاصة وأنه كان عميدا لكلية الفنون الجميلة وعلى علم كافٍ بهذه الأمور. وعلى الصعيد الفنى والتاريخى فإن لهذا العرض أهمية كبرى فى تاريخ وزارة الثقافة، فهو يضم 40 عملاً من روائع محمود سعيد (1897 ــ 1964) بجانب 75 عملاً لأصدقائه من المبدعين الأجانب الذين عاصروه وارتبطوا معه بعلاقات عمل وصداقة ومن بين هؤلاء 13 فنانا أجنبيا من جنسيات فرنسا وإيطاليا واليونان وسويسرا، وقد جرى التوثيق لسير هؤلاء داخل المعرض بالتنسيق مع خبير المقتنيات الدكتور حسام رشوان، المؤرخ الفنى، الذى أعد مع الناقدة الفرنسية فاليرى ديدييه الكتالوج الموثق لأعمال عن محمود سعيد والذى صدر فى العام 2017.

وبطبيعة الحال فإن عملية إعداد وتجهيز السير الذاتية لهؤلاء وأعمالهم احتاجت لجهود شاقة؛ لأن المعلومات عنهم شبه منعدمة. يكشف وجود هؤلاء الأجانب أو المتمصرين قيمة التنوع الثقافى وانعكاس معنى التعددية على الصورة الرمزية التى تشكلت للإسكندرية؛ وصارت ظاهرة متكاملة لها تجلياتها المختلفة التى يمكن التعرف عليها فى أعمال إبداعية كثيرة منها أعمال لورانس داريل أو قنسطنطين كفافيس الذين أثير مؤخرا جدل حول انعكاس وجوده فى مصر على أشعاره، ويبقى لرواية (لا أحد ينام فى الإسكندرية) للروائى الكبير إبراهيم عبد المجيد فضل تمصير الوعى بهذه الظاهرة وتقديمها فى صورة غير استشراقية وتحلل هالة حليم وفى كتابها المهم (الكوزموبوليتانية السكندرية/ المركز القومى للترجمة) أبعاد هذه الصورة من زوايا مختلفة وتقدمها فى سياق تاريخى ومعرفى دال. والملاحظ أن أغلب هؤلاء الفنانين الأجانب الذين يضمهم المعرض إما ولد فى الإسكندرية أو وفد عليها خلال الفترة التى يسميها المؤرخون فترة النهضة وتمتد من نهاية القرن الـ 19 حتى منتصف الخمسينيات؛ حيث أدت تفاعلات حرب السويس إلى خروج أغلبهم. لكن ما يظهره المعرض صور التفاعل بين مساهمات هؤلاء وتلاميذهم الذين تعلموا الفن داخل مدارسهم الأهلية وبفضل هذا المناخ تأسست مدرسة الفنون الجميلة فى الجماميز بجهود الأمير يوسف كمال ويكشف عن هذا المناخ وتجلياته كتاب بالغ الأهمية نشره المركز القومى للترجمة بعنوان (الأمة تشكيلا ونحتا.. الرواد ونهضة الفنون الجميلة والتطبيقية فى مصر 1908-1938) لـ نادية رضوان. تبلورت فى تلك السنوات أيضا وبتأثير ثورة 1919 محاولات خلق هوية مصرية فى مختلف مجالات الإبداع ومن بينها الفن التشكيلى وليس أعمال المثَّال محمود مختار ولوحات محمود سعيد إلا مظهرا من مظاهر التعبير عن هذا التطلع نحو هوية وطنية جديدة وبديلة عن الهوية العثمانية لتصبح هوية مصرية خالصة، لكنها لم تكن أبدا مقطوعة الصلة بما حولها من تأثيرات. ويظهر المعرض كذلك تحولا مهما فى طريقة عمل قطاع الفنون التشكيلية تتمثل فى ظهور المعارض البحثية، فالصورة القديمة للمتحف والمعرض لم تعد ملائمة للتحولات الجارية فى ساحات الفن العالمية؛ حيث أصبح المتحف/ المعرض فى العالم مؤسسة بحثية تؤدى مهمتها فى إنتاج المعرفة وليس فقط أوعية للحفظ أو صون التراث التاريخى، وأتصور أن عملية توثيق أعمال هؤلاء الفنانين الأجانب وسيرهم الذاتية تمثل خطوة هائلة نحو إعادة كتاب تاريخ الفن المصرى بل والعالمى أيضا، وكما أشار قانوش فى البيان الصحفى فإن المعرض يتضمن فى جوهره عرضا تاريخيا وبحثيا مهما، كما يأتى وقت يتزايد فيه الاهتمام برواد الفن المصرى الحديث والمعاصر فى الأوساط الأكاديمية والمتحفية وفى كبرى المزادات العالمية. والأمر المؤكد أن عمل قطاع الفنون التشكيلية خلال الفترة السابقة يستحق تحية كبيرة، ليس فقط لأنه استكمل مسيرة بدأت فى عهد القيادات السابقة وإنما لأن نشاطه أصبح مؤثرا فى المجال الثقافى العام، وهذه إيجابية كبيرة؛ لأن الجدل الذى صاحب الدورة الأخيرة للمعرض العام هو جدل من النوع الإيجابى الذى يعكس حجم الاهتمام به مما يؤكد أنه لم يعد حدثا تقليديا يخص التشكيلين فقط، كما كان الحال فى السابق، بل إن السجال الذى أثاره الناقد صلاح بيصار بشأن تحفظه على ترميم لوحة لمحمود سعيد يستحق نظرة أخرى، فهو يكشف حرصه على قيمة اللوحة بوصفها ثروة تخص المصريين جميعا، ونحن نعلم أن لوحات محمود سعيد بالذات لها رمزية شعبية إلى حد كبير، كما أنها تعرضت لعمليات تزييف لا حصر لها وبالتالى فإن المخاوف بشأنها مقبولة حتى لو كانت تحتاج إلى بعد التدقيق. والأمر المؤكد أن معرض محمود سعيد الذى يستمر لـ3 أشهر كاملة يحتاج إلى خطة تسويق تضعه على برامج رحلات الشركات السياحية، كما ينبغى إعداد فيلم وثائقى قصير حول المعرض لعرضه على رحلات خطوط شركة مصر للطيران، وأرجو أن يجد الدعم الإعلامى الذى يماثل ما هو متاح لمهرجان العلمين، فالمهرجانات والمعارض الثقافية تستحق نظرة أخرى لأنها يمكن أيضا أن تصبح مصدر جذب كما هو الحال فى بقية دول العالم.