حان الوقت للتصدى لنفوذ لوبى الغاز وإخضاعه للقانون - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
السبت 1 فبراير 2025 7:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حان الوقت للتصدى لنفوذ لوبى الغاز وإخضاعه للقانون

نشر فى : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 أغسطس 2010 - 10:32 ص

 يعلم الجميع أننا خضنا مع جمع كبير من النخب والخبراء مؤيدين بجماهيرنا الواعية وتساندنا وسائل الإعلام الوطنية ــ معركة طويلة أمام القضاء لوقف وإلغاء الصفقة المشئومة لتوريد الغاز لإسرائيل وحصلنا على حكم نهائى من المحكمة الإدارية العليا يوم 27 فبراير 2010 يأمر بوقف تنفيذ قرارى مجلس الوزراء ووزير البترول ببيع الغاز إلى إسرائيل لعدم تضمينهما آلية للمراجعة الدورية لكمية الغاز المصدر وأسعاره خلال مدة التعاقد مع إلغاء شرط الاسترشاد بسعر البترول الخام عند حد 35 دولارا. ونوهت المحكمة فى حكمها إلى ضرورة قيام وزارة البترول بمراجعة الحد الأدنى والأعلى لسعر الغاز إلى إسرائيل تبعا لتطور أسعار الغاز والبترول فى السوق العالمية وما يتفق مع الصالح العام المصرى بإلغاء الصفقة ووجوب مراعاة شروط محددة أهمها عدم التصدير إلا بعد سد حاجة الاستهلاك المحلى، أن يكون البيع بالسعار العالمية وأن يراجع كل سنة.
وقد أعلنا هذا الحكم بصيغته التنفيذية لوزارة البترول والهيئة العامة للبترول غير أنها امتنعت حتى الآن عن تنفيذه لتمضى فى إهدار المال العام وعدم احترام أحكام القضاء والتغاضى عن سيادة القانون مستندة إلى لوبى الغاز القوى المتغلغل فى أوساط السلطة.

وقد تكشفت هذه الأيام بعض جوانب مأساة إهدار الثروة القومية باستنزاف احتياطى الغاز عندما عانت البلاد من انقطاع التيار الكهربائى فى جميع محافظاتها وتحولت إلى حياة القرون الوسطى.

فقد دافعت الشركة القابضة للكهرباء عن نفسها واضطرت إلى كشف الحقائق التى ذكرناها فى ملف الدعوى والاعتراف بإلقاء مسئولية أزمة قطع التيار على وزارة البترول بالقول بأن أزمة الكهرباء بدأت مع تصدير الغاز لإسرائيل، وقالت إن السبب الحقيقى وراء انقطاعات الكهرباء يعود إلى نقص كميات الغاز الطبيعى المورد من وزارة البترول إلى محطات توليد الكهرباء وأضافت أن شركات توزيع الكهرباء اضطرت لتطبيق تخفيف الأحمال فى أنحاء كثيرة من الجمهورية، بسبب انخفاض ضغط الغاز المورد للمحطات، وسوء حالة المازوت، ما أدى إلى نقص فى قدرات التوليد، وفقدان 1600 ميجاوات مما اضطر شركات الكهرباء لعمليات التخفيف، التى تعقب زيادة الأحمال وأوضحت الشركة أن هذا التخفيف حدث نظرا لأن وحدات الشبكة الكهربائية مجهزة للعمل بالغاز الطبيعى كوقود أساسى، والمازوت كوقود احتياطى، إلا أنه فى الفترة الأخيرة انخفضت نسبة الغاز الطبيعى المستخدم فى محطات الكهرباء إلى نحو 78% بعد أن كانت 98%.

وقال رئيس الشركة القابضة للكهرباء إن استمرار انخفاض كميات الغاز المورد لمحطات الكهرباء يمثل مخالفة (ليس فقط لعدم تنفيذ الحكم واحترام سيادة القانون) بل أيضا لقرارات المجلس الأعلى للطاقة الذى يرأسه أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، بضرورة زيادة نسبة الغاز الطبيعى لمحطات توليد الكهرباء، لافتا إلى أن أزمة الوقود اضطرتنا لزيادة استخدام المازوت الذى تمدنا به وزارة البترول، إلا أنه «المازوت» غير مطابق لمواصفات تشغيل محطات التوليد مما يؤدى إلى انخفاض كفاءة وقدرات وحدات التوليد بسبب تآكل أجزاء كبيرة من مكونات الغلايات مما يتطلب ضرورة إيقافها للإصلاح.

وكشف مصدر مطلع بوزارة الكهرباء والطاقة لـ«الشروق» عن أن انخفاض معدل إمداد محطات الكهرباء بالغاز الطبيعى بدأ منذ عام 2004 حيث انخفض بنسبة 2٪، وتزامن ذلك مع بدء وزارة البترول تصدير الغاز الطبيعى بكميات كبيرة إلى إسرائيل.

وحاولت الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» الدفاع عن قصورها وإهدارها للمال العام بزعم أن احتياجات جميع القطاعات المستهلكة للغازات الطبيعية تتم تلبيتها بصورة منتظمة، خصوصا قطاع الكهرباء. وجاء رد وزارة البترول باهتا لا يقنع أقل الناس إدراكا. وقد أثبتنا فى أوراق الدعوى أن وزارة البترول بالغت كثيرا فى تقدير الاحتياطى الحقيقى من الغاز من 103 تريليونات وحدة بريطانية تكفى الاستهلاك المحلى مائة عام على حد قول وزير البترول ثم تواضعت بعد ذلك فأوصلت الاحتياطى إلى ما يقارب 70 تريليون وحدة، فى حين تقدر الهيئة فى أحد تقاريرها أنه لا يتعدى 30 تريليون وحدة.

والمثير للأسى والشجن معا أن نستمر فى تصدير غازنا لإسرائيل بأسعار فكاهية تقل كثيرا عن أسعار توريده للمصانع والمنازل المصرية، فى الوقت الذى يعانى فيه المصريون من انقطاع الكهرباء وتوقف المرافق العامة.

والغريب أن وزارة البترول قد اعترفت بعد ذلك بالمبالغة فى تقديراتها المقدمة منها فى الدعوى بالاعتراف باستنزاف احتياطى الغاز بتصديره لإسرائيل حيث صرح وزير البترول بتاريخ 10 يناير 2010، بأنه تجرى حاليا دراسة مقترحات استيراد الغاز الطبيعى من الخارج من خلال الخبراء المختصين بالوزارة، مشيرا إلى أن الدراسة تستهدف تحديد الجوانب الفنية والاقتصادية المتعلقة بهذه الخطوة قبل اتخاذ قرار نهائى.

وحاول الوزير فى المؤتمر الصحفى تسويق اقتحام القطاع الخاص التابع إلى لوبى الغاز فى مجال الطاقة، فطالب بعدم الحجر على أصحاب مقترحات الاستيراد والتعامل معها بمنطقية، خصوصا إذا ما كانت صالحة للتطبيق، مبررا التفكير فى استيراد الغاز بسبب ساذج هو رغبة الحكومة فى الاستفادة من المتغيرات العالمية لصناعة الغاز، تحت مزاعم انخفاض أسعاره بشكل واضح (فى مصر فقط)، بينما يزداد سعر الغاز الروسى المصدر لأوروبا لتصل عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وكشف وزير البترول عن أصول وأسباب هذا التوجه أن بعض الشركات الاستثمارية العربية العاملة محليا (ديناصورات زواج الثروة والسلطة وملوك لوبى الغاز) عرضت على الحكومة استيراد الغاز الطبيعى من الخارج، لتلبية احتياجات مشروعاتها كثيفة الاستهلاك للطاقة، سواء عبر شحنات من الدول الخليجية المنتجة للغاز مثل قطر أو التشغيل العكسى لخط الغاز العربى.

لذلك نناشد رئيس الجمهورية أن يتصدى إلى لوبى الغاز للقضاء على تغلغله فى أوساط البترول وأن يعلى مصالح الشعب ومن جانبنا نقول بكل قوة أنه حان الوقت لإيقاف هذا الإهدار وتنفيذ حكم المحكمة واحترام سيادة القانون ومصالح الشعب وسنلاحق المسئولين عن ذلك جنائيا ومدنيا.

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات