المساء يغط على المدينة التى كانت أول من بدأ الكلمة السحرية التى أصبحت الآن على كل لسان وفى كل يوم تردد على أسماع البشر من أعلى مستوى حتى أقله تعليما ومعرفة وخلقا.. الجميع يحبها أى الديمقراطية بل يرددها حتى أصبح من الضرورى أن تكون هناك مراجعه للفهم الحقيقى لمعناها الذى بدا هناك فى تلك المدينة العريقة.. عند سفح الأكروبولس توافدوا بدعوة من صحيفة النيويورك تايمز العريقة سواء أحببنا سياساتها التحريرية أم لا فلا نستطيع إلا أن نتمنى أن تستطيع إحدى صحفنا العريقة أيضا أن تقوم بمؤتمر مماثل وتدعو شخصيات لا تتناحر كالديكة بل تتناقش بهدوء دون آراء مسبقة وتحيزات لحزب سياسى أو حتى فكر أو طائفة أو قبيلة أو دولة أو عائلة أو مجموعة.
***
الديمقراطية بالتأكيد ليست صندوق اقتراع، كما أثبتت كل التجارب فى العالم، بل هى وسيلة لعودة الفاشستية والإسلاموفوبيا والتعصب والفكر الواحد.. ومهما قيل إن الصندوق هو الحكم فالرد المنطقى هو ماذا عن تقسيم الدوائر وشروط المشاركة عبر حزب أو حتى التكلفة الباهظة للدعاية الانتخابية... إلخ. وهناك العديد من الشروط ليكون الصندوق خير معبر عن رغبة الناس بالتأكيد.
***
المنتدى الذى بدأ بطرح السؤال الصعب هل نشهد نهاية الديمقراطية؟ أو كما ردد البعض البحث عن وسيلة أخرى لحكومة الناس من قبل الناس ومن أجلهم وهو التعريف الأساسى لكلمة ديموقراطية.. وكان هناك نقد لاذع للديمقراطية الغربية التى ساهمت أكثر وأكثر فى تركيز السلطة ورأس المال والثروة والاعلام كذراع للسلطة، تركزها جميعا فى أيدى مجموعة بسيطة أو فئة من المجتمع فيما الأغلبية بعيدة عن صنع القرار ولا تملك حتى القدرة على الرقابة على القرارات وما ينتج عنها.. فهل يعرف الكثير من الذين منحوا أصواتهم لعدد من النواب كيف توزع ميزانيات حكوماتهم وما هى الصناديق السوداء التى لا يستطيع أى عضو برلمانى الوصول لها لمعرفة كم هى مخصصات شراء السلاح وما هى فى المقابل المخصصات للتعليم والصحة والخدمات العامة.
***
هو نقاش عالمى وليس مقتصرا على النيويورك تايمز أو هذا المنتدى إلا أن هذه الجريدة عرفت كيف تلتقط المادة الأكثر إثارة بين الباحثين والمعنيين بمستقبل العالم والبشرية وليس مستقبل الديمقراطية فقط.. فأى نمط من الحكم يضمن للبشر كل البشر حقوقهم فى التعبير والمشاركة والرقابة ورفع الصوت عاليا عندما تكون هناك روائح الفساد العفنة وهى مرض ينخر فى معظم مجتمعاتنا العربية بل والعالمية.
***
وفيما تحدث بعضهم عن إخفاقات الديمقراطية، قال آخرون إنها نجحت فى ماليزيا وإندونيسيا.. وقفت تلك القاضية من جنوب إفريقيا لتقول إن معظم مواطنى ذاك البلد الذى عرف أكثر الشخصيات السياسية احتراما فى الزمن الحديث أى نيلسون مانديلا، يرددون ماذا جاءت لنا به الديمقراطية؟ هل أنهت فقرنا وعوزنا؟ بل على العكس ازددنا فقرا وبطالة! سؤال ملح آخر كان يردده بعض الحكام والمسئولين عندنا حتى جاء صوت الناس فى 2011 عندما قالوا «هى الديمقراطية بتأكل عيش؟» ربما لا، ولكنها تضمن ألا يسرق الآخرون العيش لأجيال قادمة ربما؟
***
فيما قالت باحثة فى علم الاجتماع من بولندا إن علينا التفاؤل بقدراتنا ورددت قدرات الليبراليين الذين مطلوب منهم اليوم أكثر من أى وقت مضى ألا يصمتوا أمام ما يحدث بل أن يرفعوا الصوت عاليا. وافقها الرأى محاضر فى جامعة هارفارد فقال إنه علينا ألا نستغل حجم النيران المشتعلة ضد الديمقراطية. وأضاف أن كل عمل مدنى هو كوب الماء قد يساهم فى إطفاء الحريق مهما قلت كميته!
وأنهى المنتدى روجر كوهن الكاتب فى صحيفة النيويورك تايمز بقوله إن الحقيقة هى ما يجب أن نخاف عليه ففى ظل حجم الأكاذيب تبقى الحقيقة تائهة ونحن بأشد الحاجة لها ليستطيع المواطن أن يتخذ القرار.. سرحت بعض الشيء وهو يتحدث عن أزمة الحقيقة فى الإعلام الغربى والعالمى، فإذا كانت هناك أزمة فماذا عن إعلامنا العربى حيث تغيب أو تغيب الحقيقة بين تفاصيل أنصاف الحقائق أو الأكاذيب والتفاهات والتسطيح.. كيف عنا وماذا عنا.. فيما التفت حولى فلا أجد إلا حضورا عربيا ضعيفا إن لم يكن باهتا كالعادة فى مثل هذه المنتديات وكأن الحديث عن التحولات السياسية وأنماط الحكم الصالحة لا يعنينا فلا نزال خارج الزمن بل خارج التاريخ ربما؟
***
يعود روجر كوهن ليقول إن الديمقراطية قد تفاجئنا، كما حدث قبل ذلك، وإلا فالتفتوا حولكم وتنزهوا فى أزقة أثينا انظروا واقرأوا النقوش على جدران الأكروبولوس وتلمسوا كم من الانتكاسات عاشتها الديمقراطية وخرجت منها لتنعش نظاما كاد يتهاوى أم هى الحاجة لإعادة مراجعة لفهم حكم الشعب من الشعب ولمصلحة الشعب! ربما؟!