يواجه العالم خلال هذه المرحلة حروبًا عسكرية، ونزاعات سياسية، واختلالًا فى المفاهيم والمعايير الإنسانية، كما هو الأمر فى اعتماد معايير مختلفة لمعركة غزة وحرب أوكرانيا. فمفهوم الإبادة الجماعية للسكان المدنيين هنا يختلف عن هناك، كما هو الفرق فى مفهوم تجويع المدنيين ما بين الحربين، وأصبح واضحًا أن «المعايير الإنسانية الحديثة» محصورة لبعض سكان المعمورة عن غيرهم، رغم كل التشدق بمفاهيم حقوق الإنسان الناجمة عن تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
يشير كاتب المقال إلى دور الحروب فى تشجيع وبروز أسلحة حديثة، فنحن نشاهد الآن التجربة تلو الأخرى، وأن تشجيع صناعة الأسلحة هو سبب مباشر فى اندلاع بعض الحروب الحديثة. ويضيف: بل الظاهرة الجديدة التى يعيشها الإنسان فى القرن الحادى والعشرين هى التمويه والدجل الإعلامى الواسع النطاق، بحيث يُعلن إطلاق مئات الصواريخ والمُسيَّرات دون إلحاق الضرر بالأهداف المنشودة، إنما للتغطية فقط على عملية عسكرية وهمية، لتواجه برد فعل مبهم أيضًا، وكأننا أمام نزال عسكرى وهمى، هدفه الأساسى تخويف الجماهير بالقوة العسكرية للأطراف المتخاصمة، لأجل زيادة تحقيق مكاسب توسعية مستمرة.
تطرق الكاتب إلى استعادة قوى اليمين المتشدد النفوذ فى كثير من الدول الغربية، هذه المجموعات التى تنشد تعطيل برامج تحول الطاقة، مستغلة سياسات شعبوية، كالدفاع عن المصلحة الاقتصادية للبلاد لمواجهة المكاسب الاقتصادية لدول أجنبية، ومن ثم تشريع قرارات المقاطعة ضد منتجات الطاقة الحديثة، من بطاريات الليثيوم والمعادن النادرة وألواح الطاقة الشمسية، الأمر الذى سيؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، والتضخم فى الاقتصاد عمومًا، واقتصادات تحول الطاقة بخاصة. ومن اللافت للنظر أن بعض الدول، رغم أنظمتها الاقتصادية المختلفة، أخذت تتبنى كثيرًا من هذه السياسات التضخمية، وكأنها هى السياسات التى يجب أن نعتاد عليها منذ الآن فصاعدًا، بالذات فى الحرب الباردة للقرن الحادى والعشرين بين الدول الكبرى.
أشار مصرف «جى بى مورجان» فى تقرير صدر مؤخرًا، إلى أن تغيير نظام الطاقة العالمى مسيرة يجب حسبانها بالعقود والأجيال من الزمن، وليس بالسنوات. كما يضيف التقرير: «أدى ارتفاع معدلات الفائدة والنزاعات الدولية إلى ضعضعة النظرة لتحول الطاقة».
صرح كريستيان مالك، رئيس قسم الطاقة فى مصرف مورجان، وكاتب التقرير المشار إليه أعلاه لصحيفة «فايننشيال تايمز»: «لقد ارتفعت أسعار الفوائد كثيرًا. كما أن الديون الحكومية مرتفعة جدًا. والخلافات الجيوسياسية قد تعددت وازدادت كثيرًا». من ثم، يستنتج مالك، قائلًا: «إن نفقات تحول الطاقة السنوية لتحقيق تصفير الانبعاثات ستكلف أكثر بكثير من السابق، فى ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية». وتوقع أن تزداد قيم وتكاليف الاستثمارات لتحول الطاقة على الحكومات، وأن تزداد الضغوط عليها. فعلى سبيل المثال، غضت حكومة أسكتلندا النظر مؤخرًا عن تنفيذ سياستها الطموحة لتخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 75 فى المائة بحلول عام 2030، معترفة بأن هذا الهدف غير قابل للتنفيذ.
كما أفاد رئيس مصرف «مورجان» جيمى ديمون فى عام 2022 أمام لجنة فى الكونجرس الأمريكى، بأن المصرف سيستمر فى تمويل مشاريع النفط والغاز؛ إذ إن الانسحاب من الإقراض هو طريق أمريكا إلى جهنم، لافتًا إلى أن العالم مخطئ فى طريقته لتحول الطاقة.