مزيد من الانغلاق للجامعة المصرية - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مزيد من الانغلاق للجامعة المصرية

نشر فى : السبت 24 سبتمبر 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : السبت 24 سبتمبر 2011 - 8:45 ص

الحديث عن مظاهر البؤس والتردى فى الجامعة المصرية ليس جديدا. الجميع يعلم كيف تحولت الجامعة إلى «مدرسة كبيرة» تقوم على الحفظ والتلقين، منغلقة ومنكفئة على ذاتها، تغيب عنها المشاركة.

 

الجديد فى الأمر أن الجامعة، بعد ثورة 25 يناير، لا تزال مرتبكة، تعانى من الاضطراب الواضح، على الرغم من الرهان عليها فى أن تلعب دورا أساسيا فى مخاض التغيير الحالى، وفى التنشئة والتكوين الديمقراطى لأجيال قادمة. واللافت أن الحلول التى تطرح لتغيير الجامعة سوف تصب فى النهاية فى مزيد من الانغلاق بالنسبة لها.

 

(1)

 

الجامعة فى الدول الديمقراطية مؤسسة مهمة فى التنشئة والتكوين والمعرفة. بداية ليس لها سور يفصل بينها وبين المجتمع، وهو فى ذاته دلالة على أن الجامعة منفتحة على المجتمع، تسهم فى تطويره، وتحتضن أفكاره الأساسية فى التقدم. فى جامعة «ستانفورد» فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، تجد كيف أن الجامعة تنفتح على الواقع المحيط بها، والذى من أبرز علاماته وادى التكنولوجيا الشهير «سيلكون فالى». ومحرك الإنترنت الشهير «جوجل» هو نتاج عمل شابين كانا يدرسان فى جامعة «ستانفورد» هما «لارى باج» و«سيرجى برن». الحالة الانفتاحية للجامعة تعنى أنها مؤسسة مجتمعية، وليست بيروقراطية، تكوينية وليست فقط تعليمية. من هنا فى كل جامعة نجد عددا من الفاعليات الأساسية: منتديات ثقافية، جماعات سياسية، سينما، مسرح، كافيتريات ومطاعم، مكتبة، ومكان لبيع الكتب والصحف ــ عادة ما تقدم مخفضة للطلبة والطالبات كما هو الحال فى معظم الجامعات البريطانية. ووجود الكتاب والصحيفة، لا يخضع لرقابة، ويجسد عادة ما يدور فى المجتمع فى تفاعل وجدل. من خلال التفاعل الثقافى والسياسى والاجتماعى داخل الجامعة، وخارجها يتعلم الشباب قيما، وثقافة، وآليات للمشاركة.

 

وأحد أهم مظاهر استقلال، وتفاعل، وحيوية الجامعة هو اختيار أعضاء هيئة التدريس. هيئة التدريس الجامعى عادة ما تقوم بثلاث وظائف: البحث، التدريس، والإدارة. وتقاس القدرات الخاصة بأعضاء هيئة التدريس فى المقام الأول حسب قدرتهم على البحث، وما يقدمونه من أبحاث علمية.

 

تختلف الجامعات حسب مستويات أعضاء هيئة التدريس، ولكن هناك ما يشبه التوافق على عدة مراحل على الرغم من اختلاف الأسماء والمسميات من نظام تعليمى لآخر، خصوصا ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا: هناك الأستاذ، والأستاذ المشارك، المحاضر، المدرس أو المساعد. لكل منها توصيف، واشتراطات أهمها ما تقدمه فى إجراء أبحاث ودراسات. هذه المواقع جميعا تُشغل بالإعلان عنها، والتنافس بين المتقدمين من كل أنحاء العالم وليس فقط محليا، وعادة ما يكون التعاقد الخاص بها لفترة زمنية محددة. ينتقل كل شخص من جامعة لأخرى فى مسيرة حياته الأكاديمية عدة مرات، وفى كل مرة يفيد ويستفيد كما يقال، أى ينقل خبرات، ويكتسب خبرات جديدة. وهناك جامعات تشترط على من يشغل موقع التدريس بها ألا يكون قد حصل على درجة الدكتوراه فى أحد معاهدها، والسبب يعود إلى الاعتقاد بأن درجة الدكتوراه مهمة، وتتويج للدراسات الجامعية، من يحصل عليها يكون قد أعطى كل ما عنده، وبالتالى لن تستفيد منه جامعته، والأولى به أن يذهب إلى جامعة أخرى حتى تستفيد منه، ويستفيد الشخص نفسه من خبرة الاحتكاك الجديدة.

 

(2)

 

النظام الاستبدادى فى مصر، وغيره من الدول الشبيهة، كان حريصا على عزل الجامعة عن المجتمع، وازدياد عزلتها، وتقوقعها، وجعلها شيئا فشيئا «محمية بيروقراطية». جامعة لها سور وحرس، ومقررات دراسية فى شكل مناهج محددة، وأنشطة طلابية ــ رغم محدوديتها ــ مراقبة ومقيدة. الحرية الأكاديمية غير موجودة، والقدرة على البحث النقدى محاصرة.

 

ولكن أبرز علامات انغلاق الجامعة هو نظام تعيين وترقية أعضاء هيئة التدريس بها بدءا من تعيين أوائل الخريجين فى وظيفة «معيد» ثم «مدرس مساعد» ثم «مدرس»، والترقى بعد ذلك إلى أستاذ مساعد ثم أستاذ. وظيفة أبدية، والتصاق بالجامعة لا ينفصل عنه الشخص أسوة بالزواج الكاثوليكى، يعيش بالجامعة منذ بداية حياته العملية حتى الخروج منها فى سن التقاعد. وفى مناسبات كثيرة يترهل المستوى العلمى لأعضاء هيئة التدريس نظرا لغياب الحافز على مداومة البحث، والرغبة فى الانتقال لوضع أفضل من خلال المنافسة على شغل المواقع فى الجامعات. ونتيجة لذلك هناك خبرات مهمة خارج الجامعات لا تجد سبيلا للنفاذ بداخلها نظرا للنظام العقيم المتبع الذى يجعل من الوظائف الجامعية أبدية.

 

لا يوجد فى الجامعات فى الدول المتقدمة، أو حتى الدول التى تبحث عن التقدم، ما يطلق عليه وظيفة «معيد»، ومنها السير على طريق الترقى الأكاديمى. تنقل الأساتذة بين الجامعات المصرية محدود، إن لم يكن معدما. كل ذلك أدى إلى الحرمان من الخبرات المهمة فى الوسط الأكاديمى المصرى، والتمركز الشديد فى جامعتى القاهرة وعين شمس، بينما تعانى الجامعات الإقليمية ــ بدرجات متفاوتة ــ من ضعف القدرات، والإمكانات. النسق التعليمى الجامعى مغلق، وغير منفتح، والجامعة ذاتها لها أوقات عمل رسمية تفتح فيها، وهو ما يجافى الخبرات الجامعية فى الدول المتقدمة التى لا تغلق الحياة بها.

 

(3)

 

الاتجاه الدائر حاليا فى الجامعة المصرية من حيث اللجوء إلى الانتخاب لشغل جميع المواقع القيادية الجامعية، من رئيس قسم، وعميد كلية، ورئيس جامعة يمثل فى ذاته مزيدا من الانغلاق للجامعة. فى السابق كان المعينون فى المواقع المختلفة من أهل الثقة، الذين يحظون برضاء الأجهزة الأمنية، وكان من الطبيعى أن يكون أداؤهم باهتا، وقراراتهم ليست نابعة منهم، اليوم البديل المطروح سيؤدى إلى نفس الحالة ولكن فى اتجاه آخر هو إرضاء جمهور الناخبين، أى أعضاء هيئة التدريس، حتى لو تطلب الأمر اللجوء إلى أساليب شعبوية لا علاقة لها بالعمل الأكاديمى. الانتخاب لا يصلح لشغل كل المواقع، وليس مطلوبا ديمقراطية الاختيار دائما، بقدر ما هو مطلوب الكفاءة العلمية والإدارية التى تدفع الحياة الجامعية للأمام دون أن تكون عيناها دائما تتجه لرضاء الأجهزة الأمنية أو أعضاء هيئة التدريس. الحل كما هو متعارف عليه فى الدول المتقدمة أن يكون شغل وظائف رؤساء الأقسام، والعميد ورئيس الجامعة من خلال إعلان دون اعتبار لمسألة السن، وتشكل لجنة لفحص طلبات المتقدمين من المشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية، ثم يقع الاختيار على شاغل الوظيفة، لا يهم أن يكون من داخل الجامعة أو خارجها، لا يهم أن يكون مصريا أو غير مصرى، المهم أن يكون كفئا، يدفع الحياة الجامعية للأمام. فى هذه الحالة سوف تستفيد الجامعة من أفضل الخبرات سواء كانت داخلها أو خارجها، ويكون الاختيار للأفضل أيا كان.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات