سُمْعَة سيئة السُمْعَة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سُمْعَة سيئة السُمْعَة

نشر فى : السبت 24 أكتوبر 2015 - 5:00 ص | آخر تحديث : السبت 24 أكتوبر 2015 - 5:00 ص

غاب الناس عن لجان الانتخابات، وتفرغوا للسُخرية مِنها، بعض الأخبار كان مِزاحا وبعضها كان حقيقة، وقد اختلط الأمران فما عاد أحدٌ قادرا على التمييز بينهما بسهولة. ثمّة أشخاصٌ ذهبوا لانتخاب رئيس الجمهورية، وثمّة مرشحون رأوا أن توزيع الحبوب المُخدرة أجدى مِن الزيت والسكر والبطاطين، ففعلوا.
قيل إنها نسخة مما سبق، ومما شدَّد النظام الحالى على ألا عودة إليه، وقيل إنها المُتمِّمة لانتخابات عام ألفين وعشرة بكل ما حملت مِن شواهد على التزوير، ولم يكن الكلام الدائر ببعيد عن المُتحقِّق على وجه الأرض. ظهرت على اللافتات أسماءٌ مدهشة بعضها لأشخاص اختفوا ونسيناهم، ثم عادوا بكامل قوتهم ورونقهم، لا تأثروا بشائعات، ولا بسُمعة سيئة أحاطت بهم فى سنوات ماضية، ولا بقضايا وبلاغات قُدِمَت ضدهم، عادوا ومِنهم مَن أُعلِن نجاحه، ودخوله جولة الإعادة منذ أيام، أما الآخرون فآتون فى الطريق.
قال أحد المُعَمَّمين إن الناس اكتفوا بالرئيس حاكما ومُشرِّعا ومُنفذا، مثله مثل المشروبات الجاهزة تضمُّ المُكونات جميعها فى عبوة صغيرة، وقال المفكرون المنشغلون بتحليل الواقع الذى استحال فهمه على الجميع، إن تلك هى رسالة تحذير مِن الجماهير الفطِنة، المُستاءة مِن حالها وحال الدولة، ومِن دائرة الفساد التى لا تنكسر.
***
مِن بين أشخاص كثيرين يعلم القاصى والدانى تاريخهم المشين، حكمت المحكمة بإبعاد امرأة مُرشحة، وبرفض أوراقها كونها سيئة السُمْعَة. بل وطالبت بضرورة تعديل قانون مجلس النواب بما يضمن فى المرشح طيب الخصال، والسيرة الحميدة، وقد انتشى النظام وانتفخ، مُعلنا أنه يحمى بهذا الحُكم هيبة البرلمان القادم، وشرف وكرامة نائبيه. اعترفت المحكمة أن قانون المجلس، وقانون مباشرة الحقوق السياسية لا يحويان كلاهما شرط حُسن السُمْعَة، ورغم هذا رأت أن لها حقّ الحُكم ضد المرأة بدعوى حماية الصالح العام، وحِفاظا على القيم الأخلاقية. لم تر المحكمة فى الوقت نفسه آخرين تحيط بهم الأقاويل وتجلجل سمعتهم فى كل مكان، أو ربما لم يرهم المجتمع، أو هو رآهم لكنه بات مُتيقنا مِن حصانتهم التى لا ترتبط بالمقعد، بل بوضع عام مُزمِن ومَقيت.
قالت الراقصة للسياسى:«إحنا الاثنين بنرقص أنا بلعب وسطى وانت بتلعب لسانك»، ثم خاضت معركة خفيفة الظل دافعت فيها عن حقها فى إقامة مشروع خيرىّ، أمام موظف متقلص الملامح، عنيف القول والفِعل، يرفض أن يوَقِّع طلبها كونها سيئة السُمْعَة. انتزعت المرأة فى النهاية حقها؛ لا مِن خلال حُكم قضائىّ، ولا بإغواء الموظفّ الرسمىّ، بل بلُعبة تهديد تفضح فيها دائرة أوسع مِن الفاسدين، وتكشف أسرار الكبار، وربما كانت تلك العبارة التى تفوهت بها نبيلة عبيد هى الأبرز على مدى الفيلم.
***
يذكر لسان العرب أن كلمة سُمْعَة مشتقة مِن فعل سمع، وأنها تشير إلى مَن نَسَبَ إلى نفسه عملا صالحا لم يقُم به، وادعى خيرا لم يصنعه، ثم انكشف فِعله، كما تشير أيضا إلى الشىء الذى يقوم به المرء مُتعمدا أن يراه منه الآخرون فيشكرونه ويثنون عليه، أى أن السُمْعَة نفسها قد تكون فى بعض الأحيان سيئة السُمْعَة، وبغض النظر عن الرأى والأصل اللغويّ الذى لا نعبأ فى العادة به، فقد صارت مسألة السُمْعَة فى حدّ ذاتها أضحوكة كونها تلخَّصت فى جسد امرأة ومُقتطفات مِن حوارات أجرتها واستمعت إليها المحكمة، بينما عدم الالتزام بالكلمات والوعود المقطوعة، واعتماد الكذب وسيلة لاستمالة الناس، والتجسُّس عليهم وإفشاء خصوصياتهم وأسرار حياتهم، فأمور لا تُعَدُّ مُسيئة للسُمْعَة: لا يؤاخذ عليها أحد، لا تستجلب الاستنكار، ولا تستدعى مُساءلة صاحبها، أو المطالبة بسنّ قوانين خاصة تُجَرِّمه وتحرِمه ممارسة حقوقه السياسية. إدانة الجسد الملموس أسهل مِن إدانة النفاق والغش والمداهنة، وما عادت لنا قدرة على إدراك المعنويات. لا نعرف إلا ما نتمكن مِن الإمساك به، والنظر إليه، وما يشعرنا بأننا أفضل بقليل.
بعيدا عن أنواع الفساد ودرجاته، لا أظن أن تحديد القاضى لحُسن أو سوء خُلق وسلوك أى شخص هو موقف مقبول، فالأمر فى النهاية اقتراع، وأصوات، وشعبية، وحقّ يملكه الناس، ولا يجوز الحجر عليهم فيه، كما لا يُباح فرض الوصاية على اختياراتهم، وتحجيمها عبر إقصاء أشخاص، ونبذ آخرين تحت عناوين أخلاقية زائفة، وعلى كل حال فإن السُمْعَة السلبية التى تحوط نسبة لا بأس بها مِن المرشحين سوف تصحب أغلبهم إلى بهو المجلس، وسوف يستمع الناس إلى تجلياتهم، ودفاعهم عن الشرف والطهارة وهم يغوصون فى أحشاء الفساد، فيما يصنع النظام قوانينه ويُجَمِّل صورته، وينفى عن نفسه جميع الاتهامات ويُلصِقها بآخرين.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات