منذ الأعمال الإرهابية فى باريس، والصحافة الأمريكية والأوروبية تطرح عبر تقارير وتحقيقات ودراسات ومقالات رأى تفسيرات مختلفة لظاهرة انضمام شباب غربيين ذوى أصول عربية وإسلامية لعصابة داعش الإرهابية.
التفسير الأكثر شيوعا اليوم هو الحضور المؤثر لداعش على شبكات التواصل الاجتماعى، وتوظيفها لشعارات جهادية زائفة ولدمويتها ووحشيتها للتغرير بشباب إما يشعر بالاغتراب بسبب أصوله العربية والإسلامية أو بسبب النشأة فى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
فى أعقاب إرهاب سبتمبر 2001، طرحت الصحافة الغربية سؤال «ما هى جذور الإرهاب؟»، وقدمت إجابات متنوعة بعضها ركز على الحروب والصراعات فى الشرق الأوسط وموقف الحكومات الغربية منها وبعضها ركز على مسألة التطرف الدينى وطالب المؤسسات والمراجع الدينية فى بلاد العرب بإدانة الإرهاب. أما اليوم، فالسؤال الرئيسى بعد باريس 2015 هو «كيف لداعش أن تجند شبابا من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وبلدان غربية أخرى وتورطهم فى تنفيذ تفجيرات انتحارية وأعمال إرهابية بعد أن تستغل قدراتهم الذهنية فى الإعداد لها؟»، والإجابة الأكثر شيوعا هى جاذبية داعش الإليكترونية التى تستدعى المجابهة بخطاب إليكترونى مضاد.
فى 2001، صمتت الصحافة الغربية عن العلاقة المؤكدة بين غياب العدل والحرية والتنمية عن بلاد العرب وبين صعود التطرف والعنف والإرهاب، واختزلت مسألة المواقف المشينة للحكومات الغربية من الحروب والصراعات فى عالمنا إلى نقاش حول «تحسين صورة الغرب بين العرب» وإطلاق جهود الدبلوماسية العامة. وبالتبعية، اتسمت الصحافة الغربية بالكثير من التفسيرات السطحية لجذور الإرهاب.
فى 2015، تتجاهل الصحافة الغربية الدور الكبير لوجود عصابة داعش «على الأرض» فى سوريا والعراق وفى بلدان عربية أخرى فى تجنيد شباب غربيين مأزومين، ودفعهم للانضمام إلى ما يرونه «تنظيما جهاديا» له مناطقه الجغرافية التى يستطيعون الوصول إليها.
تتجاهل الصحافة الغربية، ثانيا، كون انجراف شباب غربيين لعصابة داعش مرتبطا بالأثر الإعلامى القوى لحضورها شبه اليومى فى أحداث سوريا والعراق ولجرائمها المتكررة فى بلدان عربية أخرى. اليوم، داعش فاعل رئيسى فى الشرق الأوسط شأنها شأن الحكام والحكومات.
تتجاهل الصحافة الغربية، ثالثا، أهمية عنصر التقليد والمحاكاة فى تفسير تجنيد داعش لشباب غربيين. التحق بالعصابة فى البداية شباب عرب، ثم تبعهم شباب من مناطق الأقليات المسلمة خارج الشرق الأوسط كما فى الشيشان الخاضعة لسيطرة روسيا، ثم تبعهم بعض الشباب الغربيين. ثم أصبح «السفر إلى حيث داعش» فى «رحلات الجهاد» ظاهرة عالمية لها مريد وممول ومنظم، ولها أيضا ناقل الخبرة بين شبكات الشباب.
تتجاهل الصحافة الغربية، رابعا، حقيقة تاريخية مفادها أن تورط بعض قطاعات الشباب الأمريكى والأوروبى فى ممارسة العنف هو أمر دائم الحدوث ووثيق الصلة بالنزوع الاحتجاجى لدى الشباب. عنف الحركات الفاشية والقومية واليسارية فى أوروبا النصف الأول من القرن العشرين، عنف الحركات العنصرية وبعض الحركات المناوئة للعنصرية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى القرن العشرين، عنف بعض مجموعات اليسار الراديكالى فى أوروبا ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، العنف الراهن للحركات النازية والعنصرية الجديدة فى الغرب؛ جميعها تؤشر على مسار احتجاجى له جذور تاريخية ومجتمعية عميقة، وربما مثل «السفر إلى حيث داعش» محطته الراهنة.
أيضا بعد باريس 2015، لن تذهب بنا التفسيرات السطحية للإرهاب بعيدا.