هناك من يرى الأحزاب السياسية ضعيفة. هذه بالمناسبة حقيقة، لكن يٌراد منها أبعد من مجرد توجيه نصيحة للأحزاب بتطوير قدراتها.
الظاهر أن القصف المكثف على الأحزاب السياسية يخدم هدفين:
الأول: تمهيد السبيل أمام عناصر محسوبة على نظام مبارك للقفز على المشهد، تحت دعوى أنهم رجال الدولة القادرين على إدارة المرحلة الحالية، بحيث تصبح القوى الأساسية فى البرلمان شبكات تجمع أفرادا، أكثر من كونها قوى سياسية منظمة.
الثانى: إفساح المجال مجددا أمام رجال الأعمال للهيمنة على المشهد السياسى من خلال التزاوج بين المال والسياسة، وهو المرض العضال الذى كان سببا فى ثورة 25 يناير، ونجد أنفسنا مرة أخرى أمام سيطرة رأس المال، وهو ما يتعارض بداهة مع توجهات النظام الحالى.
من هنا فإن القصف على الأحزاب الراهنة، رغم الاعتراف بضعفها، ما هو إلا حلقة من حلقات تصفية ثورتى 25 يناير، و30 يونيو، بهدف إعادة إنتاج نظام مبارك. استهداف ثورة 25 يناير لا يحتاج إلى حديث، فهو واضح، ولكن تصفية ثورة 30 يونيو تجرى بطريقة ناعمة من خلال تقزيم الأطراف المختلفة التى كانت تقف فى مشهد 30 يونيو لصالح شبكات المصالح القديمة. استهداف الأزهر، والكنيسة، والقوى السياسية، وغيرها، إشارة واضحة إلى أن هناك رغبة فى تصفية القوى التى كانت حاضرة فى مشهد 3 يوليو، بهدف إعادة انتاج العلاقات السياسية ما قبل 25 يناير 2011.
الأحزاب السياسية ضعيفة. هذه ليست مقولة جديدة، فهى ضعيفة على مدار عقود منذ تأسيس تجربة الأحزاب السياسية المشوهة فى منتصف السبعينيات فى إطار الدولة الشمولية، التى لم تكن تسمح للأحزاب بالمنافسة على السلطة ــ وهو أصل إنشائها بالمناسبة ــ بقدر ما كانت تسمح لها بالصراع بعضها بعضا، دون أن تكون لها القدرة على تكوين جبهة عريضة من أجل المنافسة السياسية أو التغيير السياسى. وكان دائما الخلاف المدنى ــ الدينى، أو بين الأحزاب السياسية والإخوان المسلمين هو السبب فى تحقيق التقارب بين نظام مبارك والأحزاب السياسية، أكثر من قرب القوى السياسية باختلاف ألوانها مع بعضها البعض.
التيار الإسلامى الآن فى أضعف حالته، والقوى السياسية المدنية هى الأخرى فى تشرذم واضح. كل ذلك يشكل فرصة للطامحين فى فرض نظام يحافظ على مصالح الأغنياء، ويبقى على الامتيازات التى يتمتعون بها، ويقوض فرص تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية.
هذه إشكالية حقيقية أمام النظام الراهن الذى يضع قضايا من قبيل العدالة الاجتماعية، وتخفيف المعاناة على الفقراء، والتنمية بمعناها العام ضمن أولوياته، ولن يتسنى تحقيق ذلك على المدى الطويل إلا بتقوية مؤسسات المجتمع، وليس التشهير بضعفها، ومحاولة حصارها.
نعم الأحزاب السياسية ضعيفة، ويحكمها أحيانا منطق الشللية، ويتربع على قمتها نخب تحركها نوازع الانتهازية السياسية، ولكن كل ذلك مدعاة لوضع هندسات سياسية واجتماعية لتقوية الأحزاب، وتمكينها من المشاركة الجادة، وضخ دماء جديدة فى شرايينها، لأنه لا ديمقراطية بلا أحزاب.