نشر موقع الفنار للإعلام فى يوليو الماضى مقالا للكاتب «أحمد صبرى» يتناول فيه التحديات الكبرى التى يواجهها أبناء الأمّهات السعوديات والآباء الأجانب فى التعليم فى المملكة العربية السعودية، موضحا أنهم منذ فترة طويلة وهم يواجهون صعوبات فى الحصول على التعليم وغالبا ما يتحملون رسوما إضافيّة، وهى جزء من مشكلةٍ أكبر يواجهونها تتمثل فى الحصول على الخدمات المدعومة من الحكومة، بما فى ذلك الرعاية الصحية والتوظيف. بينما يعتبر أبناء السعوديين من الرجال ــ حتى أولئك الذين ولدوا وعاشوا خارج البلاد ــ سعوديين بالكامل ويحصلون على جميع الامتيازات بشكل تلقائى.
كما يواجه أبناء المغتربين أيضا صعوبات كبيرة فى الحصول على التعليم، لاسيّما أولئك المنحدرين من أسر فقيرة. فى عام 2013، قال وزير العمل السعودى بأن 7.5 مليون مغترب يعملون بشكل قانونى فى المملكة، أو ما يقارب من 25 فى المائة من مجموع السكّان.
فيقول إنه يمكن للصعوبات التى يواجهها أبناء السعوديات والمغتربين أن تحصل فى جميع المراحل – من المدارس الإبتدائيّة وحتى كليات الطب. إلا أن انتصارا قانونيّا صغيرا هذا العام قد يشير فى نهاية المطاف إلى إمكانية أفضل لحصول الجميع على التعليم.
ففى فبراير الماضى، أصدرت محكمة الاستئناف السعودية حكما مسبقا ألزم جامعة الملك عبدالعزيز بدفع الأجور ذاتها لطلاب الطب السعوديين ونصف السعوديّين «المولودين لأمهات سعوديات» فى سنة تدريبهم. حيث اعتادت الجامعة فى السابق دفع مبلغ قدره 9.200 ريال سعودى (نحو 2.450 دولار أمريكى) شهريا للمتدربين السعوديين، بينما تمنح الطلاب المولودين لأمهات سعوديات ما يقرب من 3000 ريال سعودى (800 دولار أمريكى) شهريا.
***
ويضيف صبرى أن «فؤاد سندى»؛ الطالب السعودى الذى كان يعمل للحصول على شهادة فى القانون من جامعة جورج تاون فى الولايات المتّحدة الأمريكية، أصبح المستشار القانونى للطلاّب المولودين من أمّهاتٍ سعوديّات ممّن كانوا يكافحون من أجل الحصول على أجر متساو. ويعتقد بأنّ القانون السعودى كان واضحا بشأن هذه المسألة. قال سندى: «منح المرسوم الملكى رقم 406 المساواة بين السعوديين وأبناء المولودين لأمّهاتٍ سعوديات فى مجالى الصحة والتعليم والتوظيف».
فى الماضى، كانت مشكلة الطلاب الذين لا يحبذون الحصول على أجر أقل تتمثل فى صعوبة تقديم قضاياهم لأنهم كانوا منشغلين فى الدراسة. وقد واجه المسئولون المتعاطفون مع قضيتهم صعوبة فى تغيير هذه السياسة. قال سندى: «فى كل مرّة تقدموا بالشكوى، كانت الجامعة تحيلهم إلى هيئات أخرى داخل الجامعة، وبهذا تضيع القضية بسبب البيروقراطية».
واستطرد الكاتب فى حالة سندى، مشيرا لنصائحه لمجموعة من الطلاب الناشطين بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية، حيث يعتقد بأنّ ذلك سيجبر الجامعة على «تمثيل ذلك من خلال هيئة واحدة، والحصول على رد واحد، والحصول على استجابة رسمية موحدة لمثل هذه المطالب».
فى أواخر عام 2012، تقدّم الطلاّب بشكوى داخل الجامعة، وهو شرط أساسى فى القانون السعودى قبل التوجّه إلى المحكمة. وفى يونيو من عام 2013، قاموا بتقديم شكوى ثانية إلى وزارة التعليم العالى. لكنّ شكاواهم لم تثمر عن أيّة نتائج، فقاموا بتقديمها للمحكمة الإداريّة، مؤسّسة قضائيّة تمتلك سلطات القضاء فى شئون الجامعات الحكوميّة.
وفى هذه المرحلة، يعتقد سندى، أن الجامعة كانت مضطرّة للنظر مليا فى هذه القضيّة. وقد حكمت المحكمة لصالح الطلاّب فى عام 2014. قامت الجامعة بالاستئناف، لكنّ محكمة ثانية أيّدت الحكم. وهكذا انتصر الطلاّب المولودون لأمّهاتٍ سعوديّات.
لا يشمل الحكم سوى جامعة واحدة، لكنّ سندى واجه تدفقا لسيل متكرر من قضايا مماثلة، يعتقد بأنّ الكثير منها قد يربح عند تقديمه للمحكمة.
***
فيقول أحمد صبرى أن اللغة العامة الواردة فى المرسوم الملكى تجعل الأمر خاضعا للعديد من التفسيرات، ممّا يمنح الهيئات الحكومية المختلفة هامشا كبيرا للمناورة والالتفاف حوله. كما أن برنامج المنح الدراسية الضخم والذى يمنح آلاف الطلاب السعوديين منحا سخية للدراسة فى الخارج يستثنى أبناء السعوديات، وبحسب سندى، «يمكن أن يفسّر ذلك على أنه خرق للمرسوم الملكى. ويمكن تطبيق ذات الشىء على بعض خدمات ما بعد التعليم، مثل الترخيص والتوظيف، ولذلك فإنه وبشكل عام هنالك الكثير من الغموض فى هذا الشأن».
ويتساءل صبرى لماذا تعد اللغة فى المرسوم الملكى عامة؟ قد ينظر البعض للأمر على أنه وسيلة لاستمرار التمييز. لكن سندى يقول إن المرسوم يمكن أن ينظر إليه أيضا على أنه يفترض المساواة الشاملة فى جميع الحقوق.
على أية حال، لا يزال هناك تميّيز واضح فى المدارس الابتدائية.
فمنذ ما يقرب من عشر سنوات، توجّه مغترب باكستانى عاش طوال حياته مع أسرته فى المملكة العربيّة السعودية لتسجيل ابنه فى إحدى المدارس القريبة. وبسبب دخله المنخفض، حاول الرجل تجنب الانتقالات الواسعة التى ستكلفه المزيد من المال والوقت الذى يمكن أن يستثمره فى العمل عوضا عن ذلك.
لكن العاملين فى المدرسة فاجأوه بطلب مبلغ قدره 500 ريال سعودى (نحو 130 دولار أمريكى) مقابل توفير كرسى وجهاز كومبيوتر لابنه. فقد كان يعتقد بأنّ ذلك مفروض على الآباء غير السعوديين فقط.
مرت السنوات، ولم يشعر بصورة عامّة بأنه يتعرض للتمييز بعد هذه الحادثة حتى جاءت سيول جدة عام 2009، التى دمرت الحى السكنى الذى يقطنه والعديد من المدارس فيه. فأخطرته المدرسة بأنه سيتم نقل ولده بعيدا عن منزلهم. اعترض الأب وتحدّث إلى مسئول المدرسة الذى لمّح له بأنه سيتم منح الأولوية لبعض الطلاب على حساب غيرهم. قال الأب: «أنا أعرف الكثير من غير السعوديين فى منطقتى ممن اضطروا لنقل مدارس أبنائهم عقب السيول».
***
ثم انتقل صبرى لمثال آخر عن امرأة يمنية تقطن فى أحد أحياء مدينة جدة الفقيرة، وهى تعرف بأنّ إقامتها وزوجها قد انتهت لكنهم لا يمتلكون المال الكافى لدفع رسوم التجديد. وابنتها مسجلة للالتحاق فى المرحلة الثامنة فى مدرسة حكومية. قالت المرأة: «أرسلت الإدارة إشعارا لى يطالبوننى فيه بالحضور، وهكذا فعلت. فأخبرونى بأنه يتوجب على تجديد إقامتى وإلاّ لن يكون فى إمكان ابنتى أن تستمر فى الدراسة معنا». فشرحت لهم بأنه قد يستغرقها الأمر ما يقرب من شهرين لتأمين المال. لكنهم أخبروها بأن أمامها أسبوعين فقط.
واظبت الفتاة الصغيرة على الذهاب إلى مدرستها حتى الامتحانات النهائية عندما طلب منها مغادرة مقعدها الامتحانى لتتحدث إلى الإدارة، والتى أنذرتها بوجوب إحضار والديها لأوراق تجديد الإقامة وإلا ستقوم المدرسة بمنعها من تسلم شهادتها المدرسية لتلك السنة. وقد أخبرت والدتها بأنهم «عندما فعلوا ذلك، أصبت بالذعر ونسيت المعلومات التى درستها يوم أمس».
بعد الامتحانات وبمساعدة بعض المتبرعين، تمّ تجديد الإقامة وتقديمها إلى المدرسة، والتى قامت بدورها بتحرير الشهادة التى تثبت إتمام الابنة للصف الثامن بنجاح.
ويتساءل الكاتب مجددا؛ هل تعتبر معاقبة الأطفال بسبب أفعال قام بها ذووهم أو لم يقوموا بها قانونيا بموجب القانون السعودي؟ يبدو أن لا أحد يعرف ذلك. فى الواقع، أشارت هذه السيّدة اليمنيّة إلى أن المدارس التى يذهب إليها أبناؤها الذكور أكثر مرونة بكثير حيال مسألة الإقامات المنتهية الصلاحيّة من مدارس البنات، مما يعكس عدم وجود نظام موحّد.
***
ويشير الكاتب إلى أن الجمعية الوطنيّة السعوديّة لحقوق الإنسان، منظمّة حقوق الإنسان الوحيدة المعترف بها رسميا فى البلاد والتى لا تعمل فى ظل الحكومة، أوردت حالات مماثلة بالتفصيل فى تقريرها لعام 2008 المعنون «إلغاء أحكام الكفالة وتصحيح العلاقة بين صاحب العمل والعامل الوافد». وأحد الأمثلة على ذلك كانت الممارسة الشائعة المتمثلة بحجز جواز سفر العمال الأجانب من قبل موظّفيهم فى انتهاك للقوانين السعوديّة. لكن هذه الممارسة، كما أشارت المنظمة، منتشرة على نطاق واسع ومقبولة لدرجة أنّ الكثيرين لا يعرفون حتى بأنّها مخالفة للقانون السعودى.
ويختتم الكاتب مقاله موضحا أن هناك شبكة معقدة من القضايا بالنسبة لغير المواطنين وأبناء السعوديات فى المملكة العربيّة السعودية وليس الحصول على التعليم سوى واحدة من هذه القضايا. وحتى عندما يكون القانون إلى جانبهم، فإن العديد من المغتربين لا يزالون يشعرون بأنهم ضعفاء، ويعتقدون بأنّ مقاضاة مؤسسة حكومية قد يعرّض وجودهم فى المملكة للخطر.