من هو اللبناني؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من هو اللبناني؟

نشر فى : الخميس 25 مارس 2021 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 25 مارس 2021 - 8:37 م
الفارق بين السياسة والعبث، أن السياسة تقوم على إنتاج الأمل، فيما العبث يقوم على التخريب، وعلى هذه الحال، يكون دور أهل السياسة قائما على ضخ الأمل، بينما العبثيون يدمرون ويعبثون بكل جمال.
ما علاقة ذلك بلبنان؟
علاقة ذلك بلبنان، أن أغلب أهل السياسة يسعون فى كل يوم وساعة إلى قتل آمال اللبنانيين وإلى انتزاع كل إيمان باحتمال خروجهم من فظائع الصراعات، وكأن أهل السياسة يدفعون الناس دفعا إلى حافة الكفر بإمكان قيامة وطن ودولة.
أولئك عبثيون وليسوا لبنانيين
من هو اللبنانى إذا...؟
اللبنانى من يقرأ تاريخه بتمعن ويتوقف عند ما يقوله التاريخ عن خلاف نشب بين المدن الفينيقية الثلاث: صور وصيدا وأرواد، فقرر أعيان المدن الثلاث أن يحلوا خلافهم، فأرسلوا وفودا منهم إلى مدينة طرابلس ولم تكن قد تشكلت بعد، فأقاموا فى أحياء ثلاثة، ومن هذه الأحياء نشأت طرابلس كاتحاد بين الأحياء الثلاث أو المدن الثلاث، وهو أول اتحاد فى التاريخ ينتج عن طريق التفاوض والسياسة والتوافق.
المتلبسون الحاليون بالسياسة، ينزعون نحو كل منزع، ويعصفون بكل وحدة، هل هم وطنيون؟ هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبنانى؟
اللبنانى هو ذاك الذى أبدع أفضل دساتير العالم القديم فى مدينة قرطاجة المأخوذ عن دستور مدينة صور، فدستور قرطاجة هو الوحيد الذى أشاد به معلم البشرية الفيلسوف أرسطو.
معظم أهل السياسة الحاليين، يدوسون على الدستور، ولا يؤمنون بالدساتير، فيأتيهم غريب من بلاد الغرب اسمه إيمانويل ماكرون ليحدثهم عن «عقد سياسى جديد»، هل هم وطنيون؟ هل قرأوا شيئا عن صور وتاريخها؟ عن قرطاجة ودستورها؟ هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى ذاك الذى يملك عقلا متسامحا، يحتفظ بإيمانه ولا يتربص بإيمان الآخرين، لا تستبد به عصبية ولا يطغى عليه تشدد، وإذا دعاه داع لبناء، يشد الرحال إليه، تماما مثلما فعل أهل مدينة صور حين بنوا هيكل سليمان، أو حين بنوا هيكل «حدد» فى دمشق.
أغلب أهل السياسة راهنا، أو مرتكبو السياسة، تقودهم الأحقاد وترأسهم البغضاء وجعلوا كل طائفة مرعوبة من الأخرى، هل هم وطنيون ولبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى من يفتح كتب فينيقيا ويقرأ أن أهل صيدا وصور كانوا يبحرون إلى موانئ الدنيا حاملين على ظهور سفنهم سلعا ومنتوجات هى الأجود على وجه الأرض، فيلقونها على الشواطئ والسواحل، وينتظرون فى عرض البحر، حتى يأتى أهل التجارة يأخذون ما يطيب لهم ويتركون أبدالا من ذهب وفضة، فلا كان الفينيقيون يمتهنون الغش ولا كان الوسواس الخناس يلعب فى عقولهم خشية أن يسرق الغرباء بضائعهم وأسلاعهم المرمية على الموانئ والمرافئ.
أكثر أهل السياسة حاضرا، جعلوا من السياسة غشا ودجلا وكذبا واتهاما وادعاء، فلا يثق أحد منهم بأحد منهم، هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى كما يجمع أهل التاريخ، هو وريث الثقافة الراقية، تماما مثل أدريان الفيلسوف ابن مدينة صور التى فتحت له مدينة أثينا أم الفلسفة مدارسها ليحاضر فيها عن الفلسفة، فكان يفتتح كل محاضرة فيها بقوله المشهور: «ها... أن الحروف تعود مرة أخرى من فينيقيا إلى أثينا».
أغلب أهل السياسة الذين ينتحلون السياسة فى هذه الأيام، ما ثقافتهم؟ وهم الذين لا يميزون بين حروف الجر وأدوات النصب والجزم ولا بين الفاعل والمفعول ولا بين الفتحة والكسرة، هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى هو الذى ينتج معرفة وثقافة وفلسفة، مثلما فعل فلاسفة مدينة صور وفى طليعتهم الفيلسوف الشهير فرفوريوس، إذ شكلت فلسفته أساسا كاملا لقواعد ومصادر الفلسفات المسيحية والإسلامية.
أكثر الذين يتلبسون السياسة فى هذا الزمان، ما فلسفتهم غير تلك الشتائم التى يتبادلونها فى سويعات الصباح وفى سويعات الأصيل؟ هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى، ذاك الذى أول من أتقن الصناعات الثقيلة، فكانت سفن فينيقيا علامة خالصة لطرابلس وجبيل وصيدا وصور، غالبية إمبراطوريات العالم القديم رفعت قبعات الاحترام لصناعات فينيقيا، ففى الحرب سفن فينيقيا فى المقدمة، وفى السلم سفن فينيقيا مملوءة بالزجاج والفخار والأثاث واللباس والفواكه والخضار والمآكل، وكلها منتوجات محلية.
ماذا أبقى أهل السياسة من صناعات ومزروعات لبنانية؟ جعلوا البلاد قحطا لا مصنعا تركوا ولا حقلا زرعوا، أعطبوا كل شيء وأنعشوا زراعة الرعب بين المذاهب والطوائف، هل هم لبنانيون؟.
من هو اللبناني؟
اللبنانى ذاك الذى يتوقف لحظة أمام ما يقوله هيرودوتس عندما زار مدينة صور، فوجد شوارعها فى غاية الجمال والنظافة.
ماذا بقى من تلك المشاهد فى لبنان غير روائح النفايات التى جعلها أهل السياسة من مظاهر الحياة؟ هل هم لبنانيون؟
من هو اللبناني؟
اللبنانى، ذاك الأنيق الذى يرتدى أفخر الثياب، هى الصورة نفسها التى كان عليها الفينيقيون فى صيدا وصور وجبيل.
هذه الصورة، استمرت تناسلا وولادة إلى ما قبل سنوات قليلة، ولما حل العام 2019 تهشمت هذه الصورة، ويمعن أغلب أهل السياسة فى إعطابها داعين الناس بعدما أفلسوهم وأفقروهم إلى تغيير أنماط حياتهم، هل هم لبنانيون؟
من هو اللبناني؟
اللبنانى جعلته الثقة الحضارية يقول لأبناء أثينا أتيناكم بالحرف مرة ثانية كما فعل أدريان الفيلسوف.
قد يكون مفهوما أن يحرق الإسكندر المقدونى مدينة صور حتى لا تنافس أثينا، وقد يكون مفهوما أن تحرق روما قرطاجة بعدما بدا العالم موزعا بين قرطاجة وروما كما يقول الفيلسوف الفرنسى مونتسكيو.
قد يكون كل ذلك مفهوما
ولكن ما هو غير مفهوم: لماذا يحرق السياسيون اللبنانيون لبنان؟.
التعليقات