أستاذية سهير القلماوي.. والنسب المعرفي - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 8:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أستاذية سهير القلماوي.. والنسب المعرفي

نشر فى : السبت 25 مارس 2023 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 25 مارس 2023 - 7:35 م

ــ 1 ــ
على مدى ما يزيد على الساعتين، سعدت وشرفت بالمشاركة والحديث فى واحدٍ من لقاءات صالون الشاعر الكبير والمثقف القدير زين العابدين فؤاد؛ ذلك الصالون الذى يمارس دورا ثقافيا تنويريا أصيلا ورائعا منذ ما يقرب من أربع سنوات، جهد فردى رائع ومذهل، أنجز ما يزيد على ما يقرب من المائة لقاء (مسجلة صوتا وصورة) مع أهم وأكبر العقول المصرية والعربية، من مبدعين ومفكرين ونقاد وأساتذة، يلتقون ويتحدثون ويتناقشون حول قضايا راهنة فى الإبداع والفكر والثقافة والتاريخ والفنون.

جهد أصيل ورفيع يوازى فى جديته وقيمته وأهميته مؤسسات بأكملها وبدون أى دعاية ولا بروباجندا، وبإمكانات أقل ما توصف به «بدون إمكانيات» على الإطلاق!

كل التحية والتقدير للشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، وكل التحية والتقدير لجهده الأصيل الحقيقى، الفخم الكبير الباقى.

ــ 2 ــ
أعود إلى اللقاء الذى نظمه مساء الخميس 18 مارس بعنوان «سهير القلماوى: الريادة» بمناسبة الاحتفال بشهر المرأة وكذلك بيوم المرأة المصرية (16 مارس من كل عام) واستضاف الصالون كلّا من أستاذتنا الناقدة الكبيرة الدكتورة سيزا قاسم، والدكتورة هالة كمال، والدكتور خيرى دومة، وكاتب هذه السطور.

وعلى مدى ما يزيد على الساعتين تقريبا دار حوار شائق ومثير وعميق حول الراحلة الدكتورة سهير القلماوى (1911ــ1997) وما مثلته من قيمة إنسانية وأكاديمية وثقافية ونقدية؛
وقام كل متحدث من المتحدثين بعرض ممتاز عن جانب أو أكثر من جوانب قيمة ومكانة سهير القلماوى؛ سواء باعتبار التلمذة المباشرة والاتصال العلمى والمعرفى المباشر (كما فى حالتى الدكتورة سيزا قاسم، تلميذة سهير القلماوى الأثيرة، وخيرى دومة آخر من تتلمذ على يديها تتلمذا مباشرا) أو باعتبار الاتصال غير المباشر من خلال التلمذة على كتبها وأعمالها المؤلفة والمترجمة وسيرتها الزاخرة (كما فى حالة الدكتورة هالة كمال، وكاتب هذه السطور).

قدم الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد للقاء بإضاءة مركزة ووافية حول سيرة الدكتورة سهير القلماوى التى أتقنت العديد من اللغات، اكتشفها ورعاها طه حسين وساعدها على دراسة الأدب العربى وقراءة أصوله الكبرى، وساعدها كذلك فى الكتابة فى الصحافة، ولم تخيب التلميذة ظن وتوقع أستاذها وقرأت «الأيام» لـ طه حسين بوعى إنسانى عام قبل أن تقرأه بوعى أدبى وحس نقدى، واستشعرت مدى المأساة التى عاناها أستاذها والمجتمع المصرى كله فى تلك الفترة.

وهز طه حسين البيت الثقافى المصرى فى الشعر الجاهلى، قامت باستكمال دور طه حسين فى دراسة الليالى المعروفة دراسة أكاديمية ودراسة الأدب الشعبى، قامت بدراسة حول كتاب «ألف ليلة وليلة»، ومن خلالها وضعت أسس علم المأثورات الشعبية «الفولكلور»، واحتل دور المرأة أهم موضوعات بحثها فى دراستها عن «ألف ليلة وليلة»، كتبت أيضا نصها الجميل «حكايات جدتى» ومجموعة من القصص، وألقت محاضرات عن أصول النقد الأدبى ومدارسه الحديثة، جمعت فى كتابيها المهمين «النقد الأدبى» و«فن الأدب نظرية المحاكاة»، فضلا على «مقالات فى الأدب والثقافة» الذى جمعه وحرره وقدم له تلميذها الناقد الراحل الدكتور جابر عصفور.

ــ 3 ــ
وقد حاولت فى اللقاء أن ألخص ــ من وجهة نظرى ــ ما تمثله سهير القلماوى من قيمة وحضور ومكانة، وأن أستخلص دروس الأستاذية الحقيقية والأصيلة التى مثلتها فى النقاط التالية:

أولا: ورثت سهير القلماوى عن أستاذها طه حسين الجدية الشديدة والصرامة المتناهية فى طلب العلم والتأسيس المعرفى والتدريب المنهجى، قبل أن تتصدى لبحث موضوعاتها الكبرى الأصيلة التى رادت بها الطريق فى دراسات الأدب الشعبى بكتابها المرجعى عن «ألف ليلة وليلة».

كانت سهير القلماوى نموذجا علميا فريدا فى أصالة التكوين العلمى والمعرفى، بجمعها بين المكونين الأساسين اللازمين ــ فيما أظن ــ لأى دارس أو باحث اختار هذا المسار فى الدرس الأدبى والنقدى؛ المكون التراثى من ناحية، أو الاتصال العميق والاطلاع الواسع على التراث الأدبى العربى القديم ونصوصه، وأن تتعلم كيف تقرأه وتتذوقه وتتمكن من فهمه واستيعابه. والمكون الثانى؛ هو المكون الحديث أو المعاصر وأداته الأساسية هى اللغات الأخرى، وقد درست القلماوى قبل التحاقها بالجامعة فى الكلية الأمريكية للبنات، وأتقنت الإنجليزية والفرنسية واتصلت بالآداب الأوروبية من خلال هاتين اللغتين، فضلا على العامين اللذين أمضتهما فى باريس لجمع المادة اللازمة لأطروحتها عن «ألف ليلة وليلة».

ثانيا: ممارسة الأستاذية بحقها؛ بكامل حقها من إخلاص فى التدريس وتدريب الطلاب منهجيا ومعرفيا ومتابعة واقتناص للعناصر الممتازة من الطلاب والإشراف عليهم دون أن تفرض عليهم رأيا أو تجعلهم نسخا مكرورة منها أو امتدادات ممسوخة لها؛ كانت سهير القلماوى الأستاذة التى تخرج عليها ألوان الطيف فى الانتماءات الفكرية والسياسية والعلمية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ تخرج على يديها دارس الأدب المحافظ التقليدى، ومؤرخ الشعر ومؤرخ الرواية والناقد والمنظر الاجتماعى، والناقد الجمالى، والباحث المقارن، والباحث المتخصص فى الدراسات الإسلامية، كان من بين تلاميذها اليمينى واليسارى والليبرالى والتوفيقى.. إلخ.

وهذا دور جليل وعظيم ولا تقوم أى مؤسسة جامعية حقيقية وأصيلة بدون وجود من يمارسه ويحققه على الأرض احترام التنوع والاختلاف والتوجهات والآراء على أن يظل ذلك كله فى إطار التقاليد الرفيعة والأصيلة للدرس الجامعى والبحث الأكاديمى الحر.

ثالثا: ومثل أستاذها زاوجت سهير القلماوى بين مسئولياتها الجامعية والأكاديمية بالتدريس والإشراف على الرسائل، وبين إسهامها بنشاط كبير ووافر فى العمل العام، فكانت مثل أستاذها نشطة أكاديميا ونشطة ثقافيا، وكانت نموذجا فى الوفاء والقيام بالمسئوليات التى أسندت إليها خير قيام، فكانت أول من تولت الإشراف على المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والنشر (التى تحولت إلى هيئة الكتاب فيما بعد) وأشرفت على مشروع ترجمة مسرحيات شكسبير إلى اللغة العربية بل شاركت فى ترجمة إحداها، وتولت العديد من المناصب الأخرى وأصبحت ملهمة من ملهمات الدفاع عن المرأة وحقوقها ومهتمة بثقافة الطفل.. إلخ.

(وللحديث بقية)