نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا للكاتب زيفى باريل والذى يتناول فيه التصريحات المختلفة والأدلة التى تشير إلى حدوث تراجع فى التعاون والشراكة بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية، فى الوقت الذى تقترب فيه حماس من الحكومة الإسرائيلية، محاولا توضيح أهمية ذلك ومدى فائدته بالنسبة لإسرائيل فى الوقت الحالى. بدأ باريل المقال بالتصريحات المختلفة التى تتردد فى هذا الشأن؛ حيث تساءلت تركيا عن ما إذا سيكون هناك مفاوضات مع حماس ولغزة ميناء حقا، أم أنها مجرد أضغاث أحلام؟ خاصة أن حماس تتحدث بشكل مكثف عن «أنهم فى الطريق لاتفاق شامل». وفى حين تتهمها السلطة الفلسطينية أيضا بمحاولة إقامة دولة مستقلة فى غزة بتشجيع من إسرائيل، إلا أن الأخيرة كعادتها تنفى ذلك بشكل قاطع؛ بل وأعلن مكتب رئيس الوزراء أنه «ليس هناك اتصالات مباشرة ولا اتصالات عبر دول أخرى ولا حتى اتصالات عبر وسطاء».
ولكن أوضح باريل أنه لا يجب التأثر لحد كبير بهذا النفى والإنكار الصارم الذى صدر من قبل الحكومة الإسرائيلية؛ لأنه حتى وإن لم يكن هناك «اتصالات» فى اللحظة الراهنة، فهذا لا يعنى أنه لم يكن هناك أية «اتصالات» مسبقة أو أنه لن يكون هناك أية «اتصالات» لاحقا. وقد سمع هذا النفى مسبقا أثناء التواصل مع حماس من أجل الإفراج عن الجندى الأسير جلعاد شاليط، كما أن عمليات للتهدئة ووقف إطلاق النار المختلفة، بما فيها المرة الحالية، لم تظهر من فراغ.
وأشار إلى أنه ليس هناك سبب لرفض وإنكار المفاوضات، ولكن يجب علينا أن نسعد لذلك ونتحمس له بل ونعمل على تشجيعه. فهو يرى أن المفاوضات التى تؤدى لوقف إطلاق النار طويل المدى إنما تخدم مصالح وسياسات الحكومة الحالية، فبناء ميناء بحرى فى غزة لا يتطلب الانسحاب من الأراضى أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو حتى ضمان ومنح الحقوق المدنية لسكان قطاع غزة. كما أن فكرة إعادة التأهيل الاقتصادى للقطاع إنما تتوافق مع خطة «السلام الاقتصادى» التى تدعمها الحكومة، خاصة وزير المالية «موشيه كاهلون».
***
ثم انتقل باريل ليذكر أن قوات الدفاع الإسرائيلية كانت تدعو –منذ فترةــ لتخفيف الحصار على غزة وزيادة نقل البضائع إليها، وقد تم قبول ذلك بالفعل وتم تنفيذه إلى حد كبير. حتى إن حماس اجتازت اختبار الارهاب جيدا: حيث أثبتت قدرتها على وقف الهجمات ضد إسرائيل وعندما تم إطلاق صواريخ من أراضيها تجاه إسرائيل بواسطة منظمات التمرد، تحركت فى الحال لوقف وضرب «أعشاش الارهاب» فى أراضيها. فقد وجدت المقاومة الاسلامية نفسها فى موقف أيديولوجى سيئ أيضا؛ خاصة مع إضراراها للحفاظ على هدوئها على الحدود الإسرائيلية والتودد لمصر؛ التى تحارب التنظيم الأم المتمثل فى الإخوان المسلمين. وبالتالى يرى أن هناك فرصة تاريخية أمام أعين إسرائيل ويجب عليها أن تستغلها.
وسخر الكاتب من انه فى الوقت الذى توصل فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى عدم وجود فرصة أخرى لمواصلة العملية الدبلوماسية مع إسرائيل وحكومة نتنياهو، تبدو حماس وكأنها حليف جاد. ومن ثم فإذا صدقت التقارير التى أشارت لنية عباس فى زيارة ايران فى أكتوبر القادم، فيمكن لإسرائيل حينئذ التأكد من أن عباس ليس شريكا أو حليفا لها، وسيتم حينها تدميره دبلوماسيا، وستظهر حماس كالحليف الأصلح خاصة فى ضوء ابتعادها عن إيران وتقربها من المملكة العربية السعودية.
وتساءل باريل هنا عن جدوى ذلك لإسرائيل، مؤكدا أنه من المستحيل مهما كانت محظوظة أن تحصل على شريك يوافقها تماما. وبالتالى تبقى مشكلة محدودة وهى: أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطينى. فحتى وإن رغبت حماس فى التوقيع على اتفاق سياسى مع إسرائيل –رغم معارضتها لذلك بشدةــ إلا أنه ليس لديها سلطة عامة أو سياسية تمكنها من ذلك، إضافة إلى أن أى اتفاق مع حماس –سواء مباشر أو غير مباشر أو حتى موارب ــ لن يحل المشكلة الفلسطينية بل ولن يكون الاتفاق معها بديلا للانسحاب من الأراضى أو حلا لوضع القدس.
فهو يرى أنها ستكون مشابهة إلى حد كبير لقرار الانسحاب من غزة، لأن الانسحاب الذى كان مهما ومبررا من الناحية الأمنية، يهدف ايضا لإبعاد الضفة الغربية والقدس عن طاولة المفاوضات. وكما قال رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون أن غزة مقابلها الضفة الغربية والقدس. وإعادة بناء غزة وبناء مينائها البحرى فى مقابل بقاء المستوطنات للأبد هو ما يؤمن به مؤيدو المفاوضات مع حماس الآن.
واختتم باريل المقال موضحا وجهة نظره التى تقضى بأن الخدعة تتكرر وأن المفاوضات مع حماس جيدة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية ولكن ليس بالضرورة أن تمثل مصلحة دولة إسرائيل.