امتحان الصبر - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 2:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

امتحان الصبر

نشر فى : الأحد 25 أغسطس 2024 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 25 أغسطس 2024 - 6:50 م

الصبر أنواع، وفى هذه الأنواع ما هو حميد وفيها ما هو غير حميد. لا يصحّ الصبر على الظلم بكل أنواعه، حين يتحول هذا الصبر إلى نوع من التخدير، لإطالة أو تأبيد سكوت الأناس المظلومين على الظلم. فى حالٍ كهذه لا يصح الصبر، ولكن هناك صبرا حميدا، ينمّ عن رشد عقل وبعد نظر الصابر. حين أُخذ على الإمام الشافعى صبره على نيل الخصوم منه بالكلام، قال: "قالوا سكتُّ وقد خوصمتُ، قلتُ لهم إنَّ الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ، والصمَّتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ، وفيه أيضًا لصونِ العرضِ إصلاحُ، أما تَرَى الأُسْدَ تُخْشى وهْى صَامِتة؟، والكلبُ يخسى لعمرى وهو نبّاحُ".
فى سياق يتصل بالصبر، قال الإمام الشافعى أيضًا: «دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ/ وطب نفسًا إذا حكمَ القضاءُ/ وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي/ فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ/ وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا/ وشيمتكَ السماحة ُوالوفاءُ/ وإنْ كثرتْ عيوبكَ فى البرايا/ وسَرّكَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ/ تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ/ ولا تر للأعادى قط ذلًّا/ فإن شماتة الأعدا بلاء/ ولا ترجُ السماحةَ من بخيلٍ فَما فِى النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ».
أما رهين المحبسين، أبوالعلاء المعرّى فيقول: «الصبرُ يوجَدُ، إن باءٌ له كُسرَتْ/ لكنّهُ، بسكونِ الباءِ، مفقودُ/ ويُحمَدُ الصابرُ المُوفى على غَرَضٍ/ لا عاجزٌ، بعرى التقصيرِ، معقود». الصبر يكون فى بعض حالاته قرين الصمود وقوة العزيمة من أجل بلوغ هدف فى الحياة، فرديًا كان أو جمعيًا، ولا يمكن بلوغ الذرى دون صبر تسلق محفوف بالمخاطر للجبال الوعرة.
لا يوجد ما يعبّر عن الصبر العاطفى، أو عن نفاده، أكثر من ذلك الموجود فى كلمات الأغانى، أغانينا العربية خاصة. ها هى سيدة الغناء العربى، أم كلثوم، تعاند الصبر الذى لم يفلح فى تحقيق ما نشدته من نسيان: «وصفوا لى الصبر/ لقيته خيال وكلام فى الحب/ يا دوب، يا دوب ينقال/أهرب من قلبى أروح على فين/ ليالينا الحلوة فى كل مكان/ مليناها حب إحنا الاثنين/ وملينا الدنيا أمل، أمل».
فى أغنية كلثومية أخرى بدا أن الكيل قد طفح بالعاشقة الصابرة، فجاء هجاء الصبر بأقسى ما يكون الهجاء: «ما تصبرنيش ما خلاص/أنا فاض بى ومليت»، فيما تبدو العاشقة، فى أغنية فيروزية هذه المرة، عاتبة على من أخذ بيديها إلى درب الحب ولم يعلمّها النسيان: «دلوّنى ع درب الحب وطاروا/ وعلى درب الصبر ما دلوّنى/ علموّنى حُبّك ولامونى».
من واقع تجربة شخصية أقول، إن المراجعات الطبية المتواصلة، الاضطرارية فى وجه من وجوهها، هى الامتحان الأكبر لملكة الصبر عند الإنسان.


حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات