إن المشكلة ليست بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، ولكنها بين العرب المسيحيين والمسلمين من جهة وداعش وأمثالها من المنظمات المارقة من جهة أخرى. وفى هذا السياق، يجب أن يكون واضحا أن الهدف من الدموية والأجرام والقتل ليس العرب المسيحيين حصرا بل العرب المسلمين كذلك. وما يحصل للعرب المسيحيين الأن يشابه ماحصل للفلسطينيين فى مذبحة دير ياسين عام 1948 وهو التخويف والتهجير من خلال الذبح والقتل والإرهاب إلى الحد الذى أرغم البشر الخائفة على الهرب وترك أوطانها. الحديث فى موضوع العرب المسيحيين باعتبارهم مسيحيين وليسوا عربا هو أمر يدمى قلب الأمة ويعكس حالة الانهيار الذى وصلنا إليه والبؤس وانعدام الخلق الذى نعيشه. المسيحى العربى هو عربى أولا تماما كما أن المسلم العربى هو عربى أولا. والمعارك الدائرة الآن بتخطيط أمريكا وتنفيذ داعش هى بالضبط ضد هذا المفهوم. فالداعشيه الأمريكية لا تريد عربا بل مسلمين ومسيحيين، ولا تريد مسلمين بل سنيين وشيعيين، وهكذا إلى يتم تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية صغيرة.
إن هذه الرؤيا لا تتطلب تقسيما طائفيا لأن ذلك سيجعل من المسلمين بمذاهبهم المختلفة وحدة واحده. ومن هنا كان من الضرورى إخراج العرب المسيحيين من المعادلة حتى يتم اختزال كل العرب المسلمين إلى مذاهبهم الصغيرة ومن تمت ترجمتها بدول صغيرة.
هنالك حالة من الخوف المشروع بين أوساط إخوتنا من المواطنين العرب المسيحيين على مستقبلهم فى المنطقة بعد أن شاهدوا الإجرام والظلم الداعشى ضد العرب المسلمين والعرب المسيحيين والزوار الأجانب خصوصا فى العراق المرشح الأول للتقسيم والمرشح الأول لخسارة المكون المسيحى فى مجتمعه والذى ساهم مساهمة فعـﱠالة فى بناء العراق الحديث.
والعرب المسيحيون فى تخوفاتهم وتساؤلاتهم تلك ينطلقون من المجهول الذى أخذ يعصف بالمنطقة إلى الحد الذى أفقد الجميع الرؤيا. واستفحل هذا الخوف إلى الحد الذى بدأ فيه البعض ببيع موجوداتهم بصمت وهدوء خوفا من الامتداد الداعشى، وأن يحصل لهم ما حصل لأخوتنا العرب المسيحيين فى العراق.
وفى ظل هذا الوضع البائس، ما العمل هنالك الكثير مما يمكن عمله، ولكن الأهم هو الانتباه إلى ثلاث نقاط تشكل الأساس والمرتكز لأى جهد يهدف إلى وضع حد لهذا المنزلق الذى يسير فيه العرب الآن سواء عن وعى أو دون وعى:
أولا: على جميع العرب، مسلمين ومسيحيين، التوقف عن اعتبار داعش ومثيلاتها كمشكلة إسلامية تهم العرب المسلمين أو تتعلق بهم فقط. فالموضوع وطنى وليس دينى. وداعش ومَنْ وراءَها يستعملون الدين كغطاء ووسيلة لتدمير الوطن. ومن هنا فإن المشكلة ليست دينية بل سياسية ووطنية مما يستوجب من جميع المواطنين التصدى لها بغض النظر عن انتمائهم الدينى.
ثانيا: على جميع العرب المسيحيين أن يخلعوا ثوب الخوف والرهبة، والتوقف عن النظر إلى أنفسهم كأقلية فى وطنهم ومجتمعهم. فهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
ثالثا: على جميع المواطنين، مسلمين ومسيحيين، التعاون فى التصدى لتلك التنظيمات المارقة واتباع كل السبل ودعم كل الجهود التى تهدف إلى وضع حد لتلك التنظيمات. وعليهم العمل على تهدئة النفوس والابتعاد عن الخوف وتخويف بعضهم البعض.
الاستسلام للخوف سوف يؤدى إلى ضياع الوطن. وقهر الخوف الناتج عن الأرهاب الدموى هو نصف النصر. وباقى النصر يأتى بأن نعمل جميعا من منطلق أن «الدين لله والوطن للجميع».
لبيب قمحاوى - مفكر ومحلل سياسى