تتكالب على الصحافة فى بلاد العرب حقائق الاستبداد، وسطوة أدوات الترهيب (القمع أو التهديد به) والترغيب (العوائد المادية وغير المادية أو الوعد بها) التى يجيد الحكام توظيفها، وسيطرة المال الحكومى أو الخاص دون حضور ضمانات فعلية للاستقلالية، والنزوع لتعميم الجهل والتطرف ورفض الرأى الآخر فى مقابل تغييب العقل، التسامح وابتذال المعلومة وفرض الرأى الواحد.
والنتيجة الكارثية المترتبة على ذلك هى سقوط مهنى غير مسبوق لبعض الصحف العربية.
وإذا كنت قد تناولت بالتحليل والنقد عناصر تورط بعض الصحف المصرية فى تزييف الوعى وفى التمكين للسلطوية الجديدة التى تقارب الصحافة شأنها شأن وسائل الإعلام «كأذرع» تابعة، فستأتى إشاراتى فى الأسطر التالية فى سياق تحليل نتائج تكالب الاستبداد والمال المتحالف معه على الصحافة فى الخليج والصحافة الممولة خليجيا.
فالتبعية للسلطة وللمال المتحالف معها تؤدى إلى تشويه بعض الصحف وتختزل دورها إما فى دفاع دائم عن سياسات حكام الخليج أو فى تجميل لمواقفهم أو فى تخوين لأعدائهم وتسفيه لمعارضيهم أو فى خوض حروب بالوكالة بين الملوك والأمراء والرؤساء المتسلطين على بلادنا والذين تفرقهم حسابات البقاء وصراعات النفوذ ويجمعهم الاستبداد.
والدليل الأبرز على ذلك هو ترويج بعض صحف الخليج وبعض الصحف الممولة خليجيا لرأى واحد بشأن الحرب الظالمة على اليمن وفرضها لتعتيم ممنهج على تداعياتها المأساوية. تختلف «مواقف» إدارات التحرير وتتنوع «آراء» الكتاب فيما خص أوضاع مصر ولبيبا وتونس، بل وتتفاوت «معالجاتهم» لتفاصيل المقتلة السورية. أما فى شأن اليمن، فتتطابق المواقف وتتوحد التقديرات وتتماثل الصياغات اللغوية المستخدمة لإضفاء شرعية زائفة على حرب ظالمة تستبيح شعب اليمن وأرضه فى سياق الصراع الإقليمى بين السعودية وبين إيران وحلفائها. فى شأن اليمن، تجد الكاتب «الثورى» المطالب بإزاحة نظام الديكتاتور السورى والرافض للانقلاب المصرى فى ذات الخانة مع الكاتب «المحافظ» الداعى لحماية النظم الحاكمة باستدعاء خطر «الفوضى» ومع الكاتب «الواقعى» الباحث عن «حلول تفاوضية للحروب الأهلية»، خانة الدفاع عن الحرب على اليمن.
ثوريو صحف الخليج ومعهم الواقعيون والمحافظون ينتصرون لحرب ظالمة، تارة تحججا بضرورة حماية «اليمنيين» من سيطرة «عملاء إيران»، وثانية تذرعا بحتمية منع تفتت الدولة اليمنية، وثالثة ترويجا لشرعية ديمقراطية للحرب بتوصيف دور الحوثيين وأتباعهم كدور طائفى وانقلابى ودور معسكر «الفارين» المناوئ لهم كدور شرعى. يروجون جميعا لمثل هذه المقولات الزائفة، فليست جماعة الحوثيين بمتفردة فى تبيعتها لقوة إقليمية، والطائفية والظلامية والتطرف رذائل يتورط بها الجميع، ولا واقعية على الإطلاق فى استدعاء ثنائية الشرعية ــ الانقلاب لتبرير حرب الخليج على اليمن لأن الأوضاع اليمنية يستحيل اختزالها على هذا النحو ولأن سياسات حكومات الخليج من قضايا الديمقراطية والشرعية شديدة التضارب ولأن فاقد الشرعية الديمقراطية فى الداخل لا يملك نشرها بممارسات إقليمية عدوانية.
ولا يقل فسادا عن الترويج لمثل هذه المقولات، التعتيم التام على الحقائق والمعلومات المتعلقة بسقوط آلاف الضحايا من المدنيين وبتدمير البنى التحتية فى اليمن.
وكما يحدث لغيرى ولى من رافضى السلطوية الجديدة فى مصر، أى تعريضنا الممنهج لحملات ظالمة للاغتيال المعنوى والتخوين والتسفيه، يحدث لرافضى الاستبداد فى الخليج كما للممارسات الإقليمية العدوانية التى يتصاعد تورط الحكومات الخليجية بها (باستثناء عمان). هم أيضا يتعرضون لذات الحملات الممنهجة للاغتيال المعنوى التى تطلقها صحف فقدت المهنية والمصداقية، ونتعرض لها نحن أيضا حين نسجل رفضنا للاستبداد فى الخليج ولتمويل بعض حكومات الخليج للاستبداد فى بلاد عربية أخرى وللحرب الظالمة على اليمن.