هل سنشهد فى العام القادم انحسار العواصف العاتية التى تهب فى جميع النقاط الساخنة فى المنطقة العربية من خليج سرت فى المغرب العربى إلى شرق المتوسط وصولا إلى خليج عدن؟ منطقة صارت بمثابة مسرح استراتيجى حاضن وجاذب ومؤجج للصراعات الإقليمية والدولية بأشكال وأنماط مختلفة.
صراعات تزيد من سخونة وحدة نقاط المواجهة على «المسرح» العربى الكبير: هل سنشهد حصول تقاطع مصالح يؤدى إلى تفاهمات، كما رأينا لحظة الحرب ضد داعش فى سوريا، أم استمرار صراع المصالح الذى يؤدى إلى صدامات بالواسطة عبر قوى محلية تقاتل باسم أجندات مختلفة أو عبر حركات عابرة للدول تقاتل باسم أيديولوجيات كبرى تندرج عقائديا وسياسيا فى بعض الحالات ضمن استراتيجيات الكبار أو تخدم بشكل غير مباشر هذه الاستراتيجيات فى حالات أخرى.
هذا هو المشهد فى الشرق الأوسط فى مطلع ٢٠١٨:
نشهد حربا باردة سعودية إيرانية فى تصاعد يؤجج الصراعات القائمة. ويساهم فى تأجيج هذه الأخيرة دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة «السياسية» مع إيران بوسائل مختلفة، كما يؤكد المسئولون الأمريكيون إزالة أى لبس قد يتخيله البعض حول احتمال حصول مواجهة عسكرية بين الطرفين تحمل تداعيات كارثية على المنطقة فيما لو حصلت.
اختلطت الأوراق من جديد بعد إسقاط دولة داعش فى سوريا، دون أن يعنى ذلك الانتهاء من داعش فى المنطقة، وتحقيق إيران وحلفائها انتصارا كبيرا عبر السيطرة على معبر البوكمال الاستراتيجى على الحدود العراقية السورية. معبر كرس إقامة الطريق السريع للنفوذ الإيرانى الممتد من الخليج إلى شاطئ الأبيض المتوسط.
المشهد السورى يشوبه التعقيد فى تقاطعاته الخلافية والتعاونية. روسيا احتلت دور المايسترو فى سوريا. نجد تفاهما ثلاثيا روسيا إيرانيا تركيا لإدارة الملف السورى عبر عملية أستانة وباتجاه الوصول إلى مؤتمر سوتشى للتسوية. الخطر الكردى عزز التفاهم التركى الإيرانى بشكل خاص. كما أن تخفيض التوقعات التركية مما يمكن أن تحققه فى سوريا ساهم فى تعزيز دور هذا الثلاثى على صعيد التسوية المستقبلية فى سوريا وعلى صعيد إدارة الملف السورى بشكل أساسى.
تفاهم روسى إسرائيلى تدعمه بقوة الولايات المتحدة حول الجولان، حتى لا يكون هذا الأخير بمثابة امتداد للجبهة اللبنانية الإسرائيلية، بل ليكون تقريبا كما كان فى عهد الرئيس بشار الأسد قبل حصول الانفجار السورى الكبير، عنوانا فعليا لفك الارتباط العسكرى الذى يكرس الهدوء على الجبهة، ولا يكون الجولان بمثابة صندوق بريد لتوجيه الرسائل الإقليمية بكل الاتجاهات كما هى حال الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.
تنافس صار واضحا ضمن التحالف الروسى الإيرانى حول أى مستقبل لسوريا، بين مخاوف إيران من إضعاف نفوذها فيما لو أضعف نفوذ الرئيس السورى وطبيعة نظامه من جهة، والطرح الروسى لتقييد دور الرئيس بعض الشىء فى تصور سوريا الغد كما قدمه الروس فى مشروع الدستور الجديد الذى يعكس رؤية روسيا لسوريا الغد وهى رؤية تقوم على مشاركة جميع مكونات الشعب السورى فى السلطة الجديدة ولا تلتقى مع الرؤية الإيرانية لسوريا.
تمركز إيرانى مباشر ولكن بشكل خاص بواسطة حلفاء إيران جنوب غرب دمشق سيكون بمثابة خط توتر كبير مع إسرائيل، قد يؤدى إلى حرب إيرانية إسرائيلية بالواسطة أو تحديدا حرب إسرائيلية ضد حلفاء إيران تندلع من جنوب غرب دمشق. هذه هى بعض أوجه التقاطعات الخلافية والتعاونية التى ترتسم على المسرح السورى عشية مؤتمر سوتشى المنتظر.
***
فى اليمن، صار الجميع متفقا على أنه لا يوجد حل إلا الحل السياسى. ولكن خلط الأوراق الذى حصل لحظة اغتيال الرئيس السابق على عبدالله صالح عشية انتقاله إلى معسكره السياسى السابق أربك اللعبة فيما يحاول الحوثيون إقامة توازن رادع عبر صواريخهم البالستية الحاملة أيضا لرسائل إقليمية موجهة ضد المملكة العربية السعودية. توازن هدفه تحسين موقع الحوثيين فى المفاوضات القادمة فى اليمن وحول اليمن.
فى العراق ما زالت الهشاشة السياسية تطبع الوضع العراقى وتحديدا فى كيفية صياغة علاقة مستقرة تقوم على التشاركية بين المكونات الرئيسية الثلاثة فى العراق، المكونات الشيعية والسنية والكردية. إذا لم يتوصل العراق أو المعنيون بالشأن العراقى إلى إقامة هذا العقد الاجتماعى الجديد القائم على مشاركة الجميع فإن العراق سيبقى عرضة لصراعات الآخرين على أرضه بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر كما هو الحال الآن.
فى ليبيا، يأتى موقف المشير خليفة حفتر الذى اعتبر أن اتفاق الصخيرات الموقع برعاية الأمم المتحدة فى ديسمبر ٢٠١٥ قد انتهت صلاحيته، ليعتبر أن حكومة السراج لم تعد حكومة تحظى بالشرعية. هذا الموقف أعاد الوضع الليبى إلى المربع الأول فاتحا باب الصراع على مصراعيه من جديد، فى حين تتجه جماعات داعش للاستقرار فى ليبيا ومحاولة إقامة دولة جديدة لها هناك بعد أن سقطت دولتهم فى كل من العراق وسوريا.
أما فى الشأن الفلسطينى وبعد التوتر الحاد الذى خلقه إعلان الرئيس الأمريكى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن الخطة الأمريكية للحل تقوم على شبه دولة فلسطينية أو ما يعرف بما هو أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة فى حدود مؤقتة وعلى جزء يمثل تقريبا نصف مساحة الضفة الغربية وبالطبع قطاع غزة مع اقتراح أن تكون أبورديس هى عاصمة مشروع الدولة الفلسطينية كبديل عن القدس. هذه الخطة من الصعب جدا أن تقلع فى عملية السلام التى تطرحها الولايات المتحدة والتى تريد منها أن تكون فى حقيقة الأمر بمثابة جسر عبور لإقامة أو تشكيل تحالف إقليمى عربى إسرائيلى ضد إيران.
***
يحصل ذلك كله فيما المنطقة العربية تحتضن أعلى نسبة شبابية تصل إلى أكثر من ثلثى سكانها ممن هم دون الثلاثين من العمر مع أعلى نسبة بطالة رسمية مقارنة بأى منطقة فى العالم كما يدل على ذلك أكثر من مرجع اقتصادى. إنها قنبلة موقوتة فى منطقة تتسم بالكثير من الهشاشة المجتمعية سواء كانت السياسية أم الاقتصادية أم الاجتماعية.
ويبقى التساؤل قائما: هل سنشهد خلال ٢٠١٨ مزيدا من الحرائق اشتعالا وانتشارا فى المنطقة، أم أن لحظة التعب والخوف من انسداد الأفق عند جميع الأطراف الرئيسية المعنية والاقتناع بعدم القدرة على تحقيق الانتصار الكبير قد يؤدى إلى ما يعرف بالصفقة الكبرى، صفقة التفاهمات التى تشمل جميع الملفات فى المنطقة والتى قد تبدأ فى سوريا وحول سوريا؟ صفقة ستساهم فى احتواء ومحاصرة النقاط المشتعلة الأخرى فى المنطقة.
نحن أمام مفترق طرق، فهل ستزداد الحرائق وستستعر بشكل أكبر فى الشرق الأوسط؟ أم أننا وصلنا إلى لحظة الخطر الكبير وبالتالى لحظة التفكير عند أصحاب القرار على الصعيدين الدولى والإقليمى بعقد هذه الصفقة الكبرى بغية إطلاق مسار إنقاذ المنطقة من الأتون الكبير الذى يطال مصالح الجميع فى المنطقة وخارجها؟